التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرِّبَٰواْ لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَانُ مِنَ ٱلْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْبَيْعُ مِثْلُ ٱلرِّبَٰواْ وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلْبَيْعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَٰواْ فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ فَٱنْتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى ٱللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
٢٧٥
-البقرة

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله: { ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرِّبَٰواْ لاَ يَقُومُونَ } الآية.
معناها: الذين يأكلون الربا في الدنيا لا يقومون في الآخرة إذا بعثوا من قبورهم إلا مثل قيام المجنون.
والمس: الجنون. قاله مجاهد وقتادة وابن جبير وغيرهم؛ قالوا: "يقوم الخلق من قبورهم مسرعين كما قال تعالى:
{ يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ سِرَاعاً } [المعارج: 43] إلا أكلة الربا، فإن الربا يربو في بطونهم فيقومون ويسقطون، يريدون الإسراع فلا يقدرون، فهم بمنزلة المتخبط من الجنون".
قال ابن جبير: / "يبعث أحدهم حين يبعث، وشيطان يخنقه".
والقصد بالنهي في هذه الآية: كل من أخذ الربا أكله أو لم يأكله.
وكان أهل الجاهلية إذا حل على أحدهم الأجل في دين / عليه، يقول الذي عليه الدين: "زِدْنِي فِي الأَجَل وَأَزِيدُكَ فِي دَيْنِكَ"، فنهى الله عن ذلك، وقال:
{ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ ٱلرِّبَٰواْ إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } [البقرة: 278-279].
وأصل الربا الزيادة، وهو في التجارة والبيع والشراء جائز إذا كان على وجهه الذي قد بينته السنة والكتاب. فأصل الربا المحرم أن يقول الذي عليه الدين: "أَخِّرْنِي وَأَزِيدَكَ فِي دَينك"، ثم جرى مجراه كل ما شابهه في البيوع والدين، وغير ذلك مما قد أحكمته السنة وفسره العلماء.
وقد روى محمد بن كعب القرظي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"كُلُّ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً فَهُوَ رِبَا" .
قوله: { فَلَهُ مَا سَلَفَ }.
أي ما أكل وأخذ قبل مجيء الموعظة فذلك مغفور له.
{ وَأَمْرُهُ إِلَى ٱللَّهِ }.
أي في المستقبل، إن شاء ثبته وإن شاء رده إلى ما نهاه عنه.
والموعظة: القرآن.
ومن عاد فعمل بالربا حتى يموت فأولئك أصحاب النار. قال ذلك سفيان. وقال غيره: "من عاد فقال: إنما البيع مثل الربا، وتمادى عليه، فهو من أصحاب النار".