التفاسير

< >
عرض

وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ وَمِنهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَىٰ رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَىٰ أَرْبَعٍ يَخْلُقُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٤٥
لَّقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَٱللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
٤٦
وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ وَمَآ أُوْلَـٰئِكَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ
٤٧
وَإِذَا دُعُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ مُّعْرِضُونَ
٤٨
وَإِن يَكُنْ لَّهُمُ ٱلْحَقُّ يَأْتُوۤاْ إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ
٤٩
أَفِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَمِ ٱرْتَابُوۤاْ أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ
٥٠
-النور

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله تعالى ذكره: { وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ }، إلى قوله: { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ }،
معناه: والله خلق كل ما يدب من نطفة، فمنهم من يمشي على بطنه كالحيات، ومنهم من يمشي على رجلين: كبني آدم، والطير، ومنهم من يمشي على أربع كالبهائم.
وجاز أن تأتي { مَّن } هنا لأنه لما خلط من يعقل لمن لا يعقل غَلَّبَ ما يعقل فقوله: { وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ }، قد يدخل فيه الناس وغيرهم من البهائم ولذلك قال: "فمنهم" ولم يقل: فمنها ولا منهن.
{ يَخْلُقُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ }، أي: يحدث من يشاء من الخلق { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }.
ثم قال تعالى: { لَّقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ }، أي: علامات واضحات دالات على طريق الحق.
وقوله: { وَٱللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ }، أي: يرشد من يشاء من خلقه إلى دين الإسلام وهو الطريق المستقيم.
وقوله: { عَلَىٰ أَرْبَعٍ }، تمام. قوله مبينات، قطع حسن.
ثم قال: { وَيَِقُولُونَ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلرَّسُولِ وَأَطَعْنَا }، أي: ويقول المنافقون: صدقنا بالله وبالرسول وأطعناهما. { ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ }، أي: ثم تُدْبِرُ طائفة منهم من بعد قولهم وإقرارهم بالإيمان.
ثم قال تعالى: { وَمَآ أُوْلَـٰئِكَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ }، أي: ليس قائلو هذه المقالة بمؤمنين. { مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ } قطع.
ثم قال تعالى: { وَإِذَا دُعُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ }، يعني هؤلاء المنافقين إذا دعوا إلى كتاب الله، وإلى رسوله ليحكم بينهم فيما اختصموا فيه بحكم الله { إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ مُّعْرِضُونَ }، أي: يعرضون عن قبول الحق.
ثم قال تعالى: { وَإِن يَكُنْ لَّهُمُ ٱلْحَقُّ يَأْتُوۤاْ إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ }، أي: إن يكن لهؤلاء المنافقين حق قِبَلَ الذين يدعونهم إلى كتاب الله يأتون إلى رسول الله منقادين لحكمه طائعين غير مكرهين.
يقال: أذعن فلان بالحق إذا أقر به طائعاً.
قال مجاهد: مذعنين سراعاً.
وقال عطاء: هم قريش. ثم قال: { أَفِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَمِ ٱرْتَابُوۤاْ }، أي: أشكّوا في رسول الله أنه نبي ورسول فيأبوا الإتيان إليه أم يخافون أن يحيف الله عليهم، أن يجور عليهم بحكمه فيهم ومعناه: أن يحيف رسول الله، ولكن بدأ باسمه جل ذكره تعظيماً. كما يقال: قد أعتقك الله ثم أعتقك، وما شاء الله ثم شئت. ويدل على ذلك قوله: { لِيَحْكُمَ }، ولم يقل ليحكما.
ثم قال: { بَلْ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ }، أي: لم يخافوا أن يحيف رسول الله عليهم فيتخلفون عنه لذلك، بل تخلفوا لأنهم قوم ظالمون لأنفسهم بخلافهم أمر ربهم.