التفاسير

< >
عرض

طسۤمۤ
١
تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ
٢
لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ
٣
إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ
٤
وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ مُحْدَثٍ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهُ مُعْرِضِينَ
٥
فَقَدْ كَذَّبُواْ فَسَيَأْتِيهِمْ أَنبَاءُ مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ
٦
-الشعراء

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

/ قوله تعالى ذكره: { طسۤمۤ }، إلى قوله { يَسْتَهْزِئُونَ }.
قال ابن عباس: طَسِم: قسم، أقسم الله جلّ ذكره به، وهو من أسماء الله.
وقال قتادة: هو اسم من أسماء القرآن، فالتقدير على قول ابن عباس: والسميع إن هذه الآيات التي أنزلتها على محمد في هذه السورة، آيات الكتاب التي أنزلتها من قبلها الذي يتبين لمن تدبره بفهم وفكر فيه. يعقل أنه من عند الله لم يتخرصه محمد، ولا تقوله من عند نفسه والمعنى في { تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ }، أي: هذه الآية التي كنتم وعدتم بها على لسان موسى، لأنهم قد وعدوا في التوراة والإنجيل بإنزال القرآن.
ثم قال تعالى: { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ } أي: لعلك قاتل نفسك يا محمد لأجل تأخرهم عن الإيمان بك.
ثم قال تعالى: { إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ آيَةً }، أي: إن نشأ يا محمد ننزل عليهم لأجل تكذيبهم لك من السماء آية.
{ فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ }، أي: فظل القوم خاضعة أعناقهم لها. قال قتادة: معناه لو شاء الله لأنزل آية يذلون بها، فلا يلوي أحد منهم عنقه إلى معصية الله.
قال ابن جريج: معناه لو شاء لأراهم أمراً من أمره، لا يعمل أحد بعده بمعصية.
وقيل: المعنى: لو نشاء لأنزلنا عليهم آية تلجئهم إلى الإيمان من غير أن يستحقوا على ذلك ثوابه ولا مدحاً، لأنهم اضطروا إلى ذلك، ولم يفعله الله بهم ليؤمنوا طوعاً. فيستحقوا على ذلك الثواب، إذ لو آمنوا كرهاً بآية لم يستحقوا على ذلك الثواب.
وقال مجاهد: أعناقهم: كبراؤهم.
وقال أبو زيد والأخفش: أعناقهم: جماعاتهم، يقال: جاءني عنق من الناس، أي: جماعة، ويقال: جاء في عنق من الناس أي: كبراؤهم. وهذا قول مجاهد.
وقال عيسى بن عمر: خاضعين، وخاضعة هنا واحد وهو اختيار المبرد. فمن قال: خاضعين رده على المضاف إليه. ومن قال: خاضعة رده على الأعناق لأنهم إذا ذلوا ذلت رقابهم، وإذا ذلت رقابهم ذلوا. ثم قال تعالى ذكره { وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ مُحْدَثٍ }، أي: ما يأتي هؤلاء المشركين من تذكير يحدثه الله إليك، ويوحيه إليك إلا أعرضوا عنه ولم يسمعوه، فهو محدث عند النبي عليه السلام، وعند من نزل عليه، وليس بمحدث في الأصل إنما سمي محدثاً لحدوثه عند من لم يكن يعلمه، فأنزل الله إياه، وهو غير محدث لأنه كلام الله، صفة من صفاته، ولو كان القرآن محدثاً لكانت الأخبار التي فيه لم يعملها الله حتى حدثت تعالى الله عن ذلك. ولو كان محدثاً لكان قوله:
{ { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [آل عمران: 18] الآية، و { { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } [الإخلاص: 1] السورة محدثاً فيكون التوحيد لله محدثاً، وتكون صفاته التي أخبرنا بها في القرآن محدثة؛ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
ثم قال تعالى ذكره: { فَقَدْ كَذَّبُواْ فَسَيَأْتِيهِمْ أَنبَاءُ مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ }، أي: كذبوا بالذكر الذي أتاهم فسيأتيهم أخبار ما قد كذبوا به واستهزءوا منه، وهذا تهديد من الله لهم أنه سيحل بهم العقوبة على تماديهم على تكذيبهم وكفرهم وإنما أخبر عنهم بالكذب، لأنه أخبر عنهم بالإعراض عن القرآن، ومن أعرض عن شيء فقد تركه، ومن ترك قبول شيء فقد كذب به، فلذلك أخبر عنهم بالتكذيب. وهذا من التدريج والإيماء، ودل قوله: { مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ }، أن من كذب بشيء فقد استهزأ به، واستخف به.