التفاسير

< >
عرض

كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ
٥٩
فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ
٦٠
فَلَمَّا تَرَاءَى ٱلْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ
٦١
قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ
٦٢
فَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَٱلطَّوْدِ ٱلْعَظِيمِ
٦٣
وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ ٱلآخَرِينَ
٦٤
وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ
٦٥
ثُمَّ أَغْرَقْنَا ٱلآخَرِينَ
٦٦
إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ
٦٧
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ
٦٨
وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ
٦٩
إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ
٧٠
قَالُواْ نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ
٧١
قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ
٧٢
أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ
٧٣
قَالُواْ بَلْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ
٧٤
-الشعراء

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله تعال يذكره: { وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } إلى قوله: { كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ } /،
أي: هكذا أخرجناهم من ذلك، كما وصفت لكم في هذه الآية /.
{ وَأَوْرَثْنَاهَا }، أي: أورثنا تلك الجنات، والعيون والكنوز، والمقام الكريم: بني إسرائيل.
ثم قال تعالى: { فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ }، أي: اتبع فرعون وأصحابه موسى ومن معه وقت الشروق.
وقال أبو عبيدة: نحو المشرق، يقال: أشرقنا: دخلنا في الشروق، كما يقال: أصبحنا دخلنا في الصباح. ويقال: شرقنا، إذا أخذوا نحو المشرق، وغربنا إذا أخذوا نحو المغرب. فعلى هذا لا يصح قول أبي عبيدة إلا لو كان مُشْرِقين.
قال مجاهد: خرج موسى ليلاً فكسف بالقمر، وأظلمت الأرض وقال أصحابه: إن يوسف أخبرنا أنا سنُنَجَّى من فرعون، وأخذ علينا العهد لنخرجن بعظامه معنا: فخرج موسى من ليلته سأل عن قبره، فوجد عجوزاً بيتها على قبره، فأخرجته له بحكمها، وكان حكمها أن قالت: احملني فاجر بي معك، فجعل عظام يوسف في كسائه، وجعله على رقبته، وخيل فرعون في ملء أعنتها خضراء في أعينهم، وهي لا تبرح، حبست عن موسى، وأصحابه حين تراءوا. الوقف عند نافع "كذلك" وعند أبي حاتم
{ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ } [الشعراء: 58].
ثم قال تعالى { فَلَمَّا تَرَاءَى ٱلْجَمْعَانِ }، أي: رأى بعضهم بعضاً: قال أصحاب موسى { إِنَّا لَمُدْرَكُونَ }، أي: الملحقون.
وقرأ الأعرج وعبيد بن عمير { لَمُدْرَكُونَ } بالتشديد وهو مفتعلون، ومعنى التخفيف لملحقون، ومعنى التشديد: لمجتهد في لحاقنا، كما يقال: كسبت بمعنى أصبت وظفرت. وأكسبت بمعنى اجتهدت وطلبت.
وروي: أنهم قالوا ذلك تشاءموا بموسى وقالوا: أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعدما جئتنا.
قال: السدي: لما نظرت بنو إسرائيل إلى فرعون، وقد ردفهم قالوا: إنا لمدركون، قالوا: يا موسى أوذينا من قبل أن تأتينا، فكانوا يذبحون أبناءنا، ويستحيون نساءنا، ومن بعد ما جئتنا اليوم يدركنا فرعون فيقتلنا إنا لمدركون، البحر من بين أيدينا، وفرعون من خلفنا.
وعن ابن عباس أنه قال: لما انتهى موسى البحر، هاجت الريح العواصف والقواصف، فنظر أصحاب موسى خلفهم إلى الرهج وإلى البحر أمامهم فقالوا يا موسى: إنا لمدركون. { قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ }، أي: ليس الأمر كما ذكرتم لا يدركونكم، إن معي ربي سيهدين طريقاً أنجو فيه من فرعون وقومه.
قال عبد الله بن شداد بن الهاد: لقد بلغني أنه خرج فرعون في طلب موسى على سبعين ألفاً من دهم الخيل سوى ما في جنده من شية الخيل، وخرج موسى حتى إذا قابله البحر ولم يكن عنه منصرف، طلع فرعون في جنده من خلفهم ثم قال تعالى { فَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ } روي: أن الله جلّ ذكره: أمر البحر أن لا ينغلق حتى يضربه موسى بعصاه.
قال السدي تقدم هارون فضرب البحر، فأبى البحر أن ينفتح: وقال: من هذا الحبل الذي يضربني حتى أتاه موسى فكناه أبا خالد وضربه فانفلق.
قال ابن جريج انفلق على اثني عشر طريقاً، في كل طريق سبط وكان بنو إسرائيل اثني عشر سبطاً فكانت الطريق كجدران، فقال كل سبط: قد قتل أصحابنا، فلما رأى ذلك موسى، دعا الله فجعلها لهم بقناطر كهيئة الطيقان ينظر بعضهم إلى بعض، على أرض يابسة، كأن الماء لم يصبها قط حتى عبروا.
وقوله تعالى: { كَٱلطَّوْدِ ٱلْعَظِيمِ }، أي: كالجبل العظيم.
ثم قال تعالى: { وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ ٱلآخَرِينَ }، أي: قربنا "ثم" أي: هنالك الآخرين يعني قوم فرعون من البحر، وقدمناهم إليه.
قال ابن عباس: أزلفنا قدمناهم / إلى البحر.
وقال ابن جرير: قربنا، وكذلك قال قتادة.
وقال أبو عبيدة: أزلفنا: جمعنا، ومنه ليلة المزدلفة. أي: ليلة جمع.
وقيل: أزلفنا أهلكنا. وقرأ أبيُّ بن كعب: "أزلقنا" بالقاف. قال السدي، دنا فرعون، وأصحابه بعدما قطع موسى ببني إسرائيل البحر من البحر، فلما نظر فرعون إلى البحر منفلقاً قال: ألا ترون: أن البحر فرق مني، قد تفتح لي حتى أدرك أعدائي فأقتلهم، فلما قام فرعون على أفواه الطرق أتت خيله أن تقتحم، فنزل جبريل عليه السلام على ما ذيانة فشمت الحُصُن ريح الماذيانة، فاقتحمت في إثرها حتى إذا همّ أولهم أن يخرج ودخل آخرهم، أمر البحر أن يأخذهم فالتطم عليهم.
ثم قال تعالى ذكره { وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ }، يعني بني إسرائيل { ثُمَّ أَغْرَقْنَا ٱلآخَرِينَ }، يعني فرعون وقومه { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً }، أي: إن في فعلنا بهم لعلامة، وحجة، ووعظاً لقومك يا محمد أن ينالهم مثل ذلك على تكذيبهم لك. { وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ }، أن أكثر قومك يا محمد لم يكونوا مؤمنين، في سابق علم الله. { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ }، أي: عزيز في انتقامه ممن كفر به، رحيم بمن أنجاه من الغرق { لآيَةً }، قطع كاف، و { مُّؤْمِنِينَ } تمام، و { ٱلرَّحِيمُ } تمام.
ثم قال تعالى: { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ }، أي: واقصص يا محمد على مشركي قومك خبر إبراهيم، حين قال لأبيه وقومه، أي: شيء تعبدون { قَالُواْ نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ }، أي: نثبت خدماً مقيمين على عبادتها.
قال ابن جريج: هو الصلاة لأصنامهم. قال إبراهيم: { هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ }، أي: هل يسمعون دعاءكم إذ تدعونهم.
قال الأخفش التقدير هل يسمعون منكم أو هل يسمعون دعاءكم ثم حذف، وقرأ قتادة: هل يُسمِعونكم بضم الياء، أي: هل يُسمعونكم كلامهم.
وقيل: المعنى: هل يسمعونكم إذا دعوتموهم لصلاح أموركم، وهل يستجيبون لكم، ويعطونكم ما سألتموهم، وهل ينفعونكم إذ عبدتموهم وهل يضرون من لا يعبدهم، كل ذلك توبيخاً لهم وتقريعاً.
وقوله: { أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ }، أي: هل تنفعكم هذه الأصنام فترزقكم شيئاً على عبادتكم لها، أو يضرونكم إذا تركتم عبادتها. فقالوا: { بَلْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ }، أي: نحن نفعل ذلك، كما فعله آباؤنا وإن كانت لا تسمع ولا تنفع، ولا تضر، إنما نتبع في عبادتها فعل آبائنا لا غير. وهذا الجواب: حائد على السؤال لأنه سألهم: هل يسمعون الدعاء، أو ينفعون أو يضرون، فحادوا عن الجواب وقالوا: { وَجَدْنَآ آبَآءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ }، وليس هذا جوابه، ولكن لما لم يكن لهم جواب، حادوا لأنهم لو قالوا: يسمعون، وينفعون، ويضرون لبان كذبهم عند أنفسهم وعند جماعهم، ولو قالوا: لا يسمعون، ولا ينفعون، ولا يضرون، لشهدوا على أنفسهم بالخطأ والضلال في عبادتهم من لا يسمع، ولا ينفع ولا يضر، فلم يكن لهم بد من الحيدة عن الجواب، فجاوبوا بما لم يسألوا عنه وقالوا: { وَجَدْنَآ آبَآءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ }، ولم يُسألوا عن ذلك، وهذا من علامات انقطاع حجة المسؤول، ويبين أنهم حادوا عن الجواب، إدخال بل مع الجواب، وبل للإضراب عن الأولى والإيجاب للثاني فهم أضربوا عن سؤاله، وأخذوا في شيء آخر لم يسألهم عنه انقطاعاً منهم عن جوابه، وإقراراً بالعجز.