التفاسير

< >
عرض

وَقَالَتِ ٱمْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ
٩
وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلاۤ أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ
١٠
وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ
١١
وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ
١٢
فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
١٣
وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَٱسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ
١٤
-القصص

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله تعالى ذكره: { وَقَالَتِ ٱمْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ }، إلى قوله: { نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ }،
أي قالت آسية لفرعون: هذا الغلام قرة عين لي ولك، لا تقتلوه.
ومعنى: قرة عين: أي برد لعيني وعينك (لا تستحر) أعيننا بالبكاء، فهو من القر، وهو البرد.
وقيل هو من قر بالمكان أي لم يبرحه.
وروي: أن امرأة فرعون لما قالت له هذا قال: أما لك فنعم، وأما لي فلا، فكان كما قال.
قال ابن عباس: لما أتت امرأة فرعون بموسى فرعون قالت: قرة عين لي ولك، قال فرعون: يكون لك /، وأما لي فلا حاجة لي فيه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
"والذي يحلف به لو أقر فرعون أنه يكون له قرة عين كما أقرت لهداه الله جل ذكره به كما هدى به امرأته، ولكن الله حرمه ذلك" . وقوله تعالى: { لاَ تَقْتُلُوهُ }، بلفظ الجماعة إنما ذلك لأنها خاطبته كما يخاطب الجبار، وكما يخبر الجبار عن نفسه بلفظ الجماعة. ويروى: أنها إنما قالت لفرعون ذلك، يوم نتف موسى لحية فرعون، فأراد فرعون قتله.
وقيل: بل قالته له حين التقطه آل فرعون فأراد فرعون قتله. وقوله: { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ }، أي لا يشعرون أن هلاكهم على يديه، وفي زمانه.
قال قتادة. وقال مجاهد: { لاَ يَشْعُرُونَ } أَنَّهُ عَدُوٌ لَهُمْ. وقيل: هذا الضمير على بني إسرائيل يعود، والمعنى: وبنو إسرائيل لا يشعرون ذلك.
ثم قال تعالى: { وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغاً } أي أصبح فارغاً من كل شيء سوى ذكر موسى. قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة والضحاك. وقال ابن زيد: معناه أصبح فارغاً من الوحي الذي قال لها الله فيه:
{ وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِيۤ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ } [القصص: 7]، فحزنت عليه وخافت. قال: جاءها إبليس فقال: يا أم موسى: كرهت أن يقتل فرعون موسى، فيكون لك أجره، وثوابه، وتوليت قتله، وألقيته في البحر وغرقته. قال الحسن: أصبح فارغاً من العهد الذي عهد إليها والوعد الذي وعدت أن يرد عليها ابنها، فنسيت ذلك كله، حتى كادت أن تبدي به لولا أن ربط الله على قلبها بالصبر لأبدت به.
قال ابن إسحاق: كانت أم موسى ترجع إليه حين ألقته في البحر، هل تسمع له بذكر حتى أتاها الخبر بأن فرعون أصاب الغداة صبياً في النيل في التابوت، فعرفت القصة، ورأت أنه قد وقع في يدي عدوه الذي فرت به منه، فأصبح فؤادها فارغاً من عهد الله جل ثناؤه إليها فيه، قد أنساها عظيم البلاء، ما كان من العهد عندها من الله فيه.
قال ابن زيد: { إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ }، أي بالوحي.
وقال ابن عباس: كادت تقول: وابناه. وكذلك قال قتادة.
قال أبو عبيدة: فارغاً من الحزن لما علمت أنه لم يغرق.
قال السدي: لما أخذ ثديها في الرضاع كادت تقول: هو ابني، فعصمها الله.
وعن ابن عباس: أن معناه: أصبح فؤاد أم موسى فارغاً من كل شيء إلا من ذكر موسى، كادت أن تخبر به، فتقول: الذي وجدتموه في التابوت هو ابني، ونسيت ما وعدها الله به أنه يرده عليها، فثبتها الله، وربط على قلبها بالصبر، حتى رجع إليها كما وعدها الله.
وروى ابن وهب، وابن القاسم عن مالك: أنه قال: فارغاً هو ذهاب العقل في رأيي، يقول الله تعالى: { لَوْلاۤ أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا }.
وعن ابن عباس: إن كادت لتبدي به، قال: إن كادت لتقول: يا بنياه.
وقال زيد بن أسلم: معناه: فارغاً من الوحي الذي أوحى الله إليها حين أمرها أن تلقيه في البحر.
وقال الأخفش: لتبدي به بالوحي، كقول ابن زيد.
وقوله: { لَوْلاۤ أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا }، أي عصمناها من إظهار خبره.
وقال قتادة: ربطنا على قلبها بالإيمان لتكون من المؤمنين.
ثم قال تعالى: { وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ } أي قصي أثره أي اتبعي أثره، فانظري أخرجه أحد من البحر، ومن التابوت أم لا؟ فإن أخرج فانظري ماذا يفعلون به؟.
وقيل معناه: انظري أحي هو أم أكلته دواب البحر؟ ثم قال: { فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ } وفي الكلام حذف، والتقدير: فقصت أخت موسى أثره، فبصرت بموسى عن بعد، ولم تقربه لئلا يعلم أنها من قرابته، يقال: بصرت به وأبصرته، ويقال: عن جنب وعن جنابة، ومنه قولهم: فلان أجنبي.
قيل عن جنب: أي أبصرته عن شق عينها اليمنى. { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ }، بها أنها أخته.
وعن ابن عباس: على جنب والجنب أن يسمو بصر الإنسان إلى الشيء البعيد وهو إلى جنبه /، لا يشعر به.
وحكى بعض المفسرين: عن جنب: عن شوق.
قال أبو عمرو: وهي لغة لجذام، يقولون: تجنبت إليك أي تشوقت. وقوله: { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ }، أي وآل فرعون لا يشعرون أنها أخته جعلت تنظر إليه كأنها لا تريده.
وقيل معناه: وهم لا يشعرون ما يصير إليه أمر موسى، ولا يعلمون كرامته على الله.
ثم قال تعالى: { وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ }. أي ومنعنا موسى المراضع أن يرتضع منهن من قبل رده إلى أمه. وقيل: من قبل أمه.
وقيل معناه: منعناه قبول ذلك.
وقيل: هو من المقلوب. ومعناه: وحرمنا على المراضع رضاعه، والتحريم بمعنى المنع، معروف في اللغة، وواحد المراضع: مرضع، ومن قال: مراضع، فهو جمع: مرضاع، ومفعال، بناء للتكثير، ولا تدخل الهاء في مؤنثه إذ ليس بجار على الفعل، وقد قالوا: مرضاعة، فأدخلوا الهاء للمبالغة لا للتأنيث، كما قالوا: مطرابة.
ثم قال: { فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ }.
قال السدي: أرادوا له المرضعات فلم يأخذ من ثدي أحد من النساء وجعل النساء يطلبن ذلك لينزلن عند فرعون في الرضاع. ويروى: أن فرعون بلغ منه الغم بامتناعه من الرضاع كل مبلغ حتى كان أخذه فرعون على يديه وجعل يطلب له الرضاع بنفسه ويشفق عليه من البكاء، فلما قالت لهم أخته ما قالت استراح فرعون إلى قولها، وطمع أن يقبل موسى رضاعها فقال: جيئني بها، فذهبت إلى أمها فجاءت بها، فأمرها فرعون برضاعه، فقبل ثديها، وسكت، فسر بذلك فرعون وهذا من عجيب لطف الله. ومعنى: يكفلونه: يضمونه.
وقالت: { وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ }، روي: أنها لما قالت ذلك، قالوا لها: ومن هي؟ قالت: أمي، قالوا لها: أو لأمك لبن؟ قالت: نعم، لبن أخي هارون.
وكان هارون ولد في سنة لم يكن فيها ذبح.
روي: أن فرعون كان يذبح سنة ويترك سنة.
وروي: أنه كان ترك الذبح أربع سنين، فولد هارون في آخرها، فأرسلت امرأة فرعون إلى أم موسى، وقالت لها: هذا الصبي أرضعيه، ولك عندنا الكرامة، مع ما لك من القدر عندنا، ولزوجك، فأخذته وأتم الله وعده لها برده إليها، فلما صار موسى إليها لم يبق أحد من خاصة فرعون إلا أكرمها، وكان زوجها عمران قد احتبسه فرعون عنده، فرده عليها.
ويروى أن فرعون قال لأم موسى: كيف ارتضع هذا الصبي منك؟ ولم يرتضع من غيرك؟ فقالت: لأني امرأة طيبة الريح، طيبة اللبن، فلا أكاد أوتى بصبي إلا ارتضع مني.
وروي: أنها لما قالت: { وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ }، أخذوها، فقيل لها: قد عرفته، فقالت: إنما عنيت أنهم للملك ناصحون، قال السدي وابن جريج.
ثم قال تعالى: { فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ }، أي رددنا موسى إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن عليه، وليتم الوعد الذي وعدها الله به في قوله جل ذكره:
{ { وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِيۤ } [القصص: 7]، وهو قوله: { وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }، أي أكثر المشركين لا يعلمون أن وعد الله حق، ولا يصدقون به.
ثم قال تعالى: { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَٱسْتَوَىٰ }، أي استكمل نهاية قوة الرجل.
قال مجاهد وقتادة: واستوى: بلغ أربعين سنة.
وقيل: الاستواء: ستون سنة.
وقال ابن عباس: الأشد: ثلاث وثلاثون سنة، وقاله مجاهد وقتادة.
وقيل: هو اثنان وعشرون سنة، فبها تبلغ الزيادة في الطول حدها في الاستواء.
{ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً }، أي فهماً في الدين ومعرفة به.
قال مجاهد: هو الفقه، والعقل، والعمل. وذلك قبل النبوة. { وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ }، أي كما جازينا موسى على طاعته، كذلك نجزي كل من أطاع، وإنما جعل الله إتيانه العبد الحكم والعلم جزاء على الإحسان، لأنهما يؤديان إلى الجنة التي هي جزاء المحسنين.
واختلفت في الأشد: فقيل: هو جمع أشد.
وقيل: لا واحد له.
/ وقيل: هو جمع: شدة.