التفاسير

< >
عرض

هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ٱبْتِغَاءَ ٱلْفِتْنَةِ وَٱبْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ وَٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ
٧
-آل عمران

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله: { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ }.
قال ابن عباس: [هي]:
{ قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } [الأنعام: 151] إلى ثلاث آيات، وفي بني إسرائيل { وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ } [الإسراء: 23]، قال: والمتشابه نحو: آلَم، والروح وشبهه.
وقال مجاهد وعكرمة، ويحيى بن يعمر: المحكمات: الحلال والحرام والأمر والنهي، وما سوى ذلك فمتشابه يصدق بعضه بعضاً.
وقال الضحاك: المحكمات الناسخات، والمتشابهات المنسوخات.
وأهل المعاني على (أن) المحكم ما قام بنفسه، وفهم في ظاهر لفظه، ولم يحتمل إلا ذلك، والمتشابه ما احتاج إلى تأويل وتفسير واحتمل المعاني.
وسمى المحكمات أم الكتاب لأنهن معظمه، وأكثره.
وقيل: سماهن أم الكتاب لأن فيهن أمر الدين من: حلال وحرام وأمر ونهي وفرض وغير ذلك، فهذا الأصل الذي تعبدنا به.
وإنما وحد الأم لأن معناه: هن أصل الكتاب.
وقيل: المعنى هن الشيء الذي كل واحدة منهن أم الكتاب.
قوله: { وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ }. قيل معناه: اشتبهت على اليهود إذ سمعوها وهي أوائل السور: حروف التهجي، متشابهات في التلاوة مختلفات في المعاني.
وقال ابن عباس: متشابهات: هو المنسوخ، والمقدم والمؤخر.
وقال قتادة وغيره: المحكمات: الناسخات، والمتشابهات المنسوخات.
وقيل: المحكمات ما حكمت فيه ألفاظ قصص الأنبياء والأمم، والمتشابهات ما حكمت فيه ألفاظ القصص والأخبار، قاله ابن زيد.
[قال:]: نحو
{ { فَٱسْلُكْ فِيهَا } [المؤمنون: 27]، { { ٱحْمِلْ فِيهَا } هود: 40]، { { ٱسْلُكْ يَدَكَ } [القصص: 32]....... [ادخل يدك]"، { حَيَّةٌ تَسْعَىٰ } [طه: 20]، { { ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ } [الشعراء: 32]"، ونحوه، فهذا المتشابه.
وقيل: المحكم ما علم تأويله العلماء، والمتشابه ما لم يعلم تأويله أحد، وقد أفردنا الكلام على هذه الآية في كتاب مفرد متقصى فيه الاختلاف فيها وموضع الوقف.
قوله: { فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ }.
أي: ميل عن الحق وهو الشك { فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ } وهو ما احتمل التأويلات "يبتغون بذلك الفتنة" أي: الكفر.
قال ابن عباس: يحملون المحكم على المتشابه، والمتشابه على المحكم يلبسون على الناس.
وقال السدي: يعترضون في الناسخ والمنسوخ فيقولون: ما بال هذه وما بال هذه. وعنى بهذا الوفد من نصارى نجران ومن هو مثلهم. لأنهم خاصموا النبي صلى الله عليه وسلم في عيسى.
وقال قتادة: إن لم يكونوا الحرورية فما أدري من هم؟.
وروت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"إذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عنوا بقوله: { فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ }" .
قال السدي والربيع { ٱبْتِغَاءَ ٱلْفِتْنَةِ } أي: الشرك
وقال مجاهد: ابتغاء الشبهات.
قال ابن عباس معنى: { ٱبْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ } هو طلب الأجل في مدة محمد وأمته من قبل الحروف التي في أوائل السور وذلك أنهم حسبوها على حروف الجمل بالعدد فقالوا: هذه مدة محمد وأمته.
قال السدي: أرادوا أن يعلموا عواقب القرآن وهو تأويله متى ينسخ منه شيء.
وقيل معناه: وابتغاء تأويل المتشابه على ما يريدون من الزيغ.
قوله: { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ }.
أي: ليس يعلم متى تقوم الساعة وتنقضي مدة أمة محمد عليه السلام إلا الله.
{ وَٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ }.
أي: يسلمون ويقولون صدقنا، وهو قول ابن عباس وعائشة وابن مسعود، وجماعة من التابعين، وهو قول مالك.
وروى عن نافع ويعقوب والكسائي، إن الوقف { إِلاَّ ٱللَّهُ } وهو قول الأخفش والفراء وأبي حاتم، وأبي إسحاق، وابن كيسان، وهو اختيار الطبري.
ومعنى التأويل: التفسير وهو عند أكثرهم قيام الساعة لأنه ما تؤول إليه الأمور.
ومعنى: { وَٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ } الذين قد أتقنوا علمهم، وأصله من: رسخ إذا ثبت.
وروي عن ابن القاسم أن مالكاً سئل عن الراسخين في العلم: من هم؟ فقال: العامل بما علم، المتبع له.
(وقال في رواية ابن وهب عنه: العالم العامل بما علم المتبع له).
وعن ابن أسامة أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الراسخين في العلم فقال:
"من برّت يمينه، وصدق لسانه، واستقام قلبه، وعَفَّ بطنه وفرجه، فذلك من الراسخين في العلم" .
وقيل: الراسخ في العلم من وقف حيث انتهى به علمه.
قوله: { كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا }.
أي: ما نسخ وما لم ينسخ من عند الله.
وقول أكثر العلماء: إن الراسخين في العلم لا يعلمون تأويل المتشابه.
قال عروة بن الزبير: الراسخون في العلم لا يعلمون تأويله ولكن يقولون: { آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا }.
قوله: { وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ }.
أي ما يتذكر فيعلم الحق فيؤمن به إلا أولو العقول.