التفاسير

< >
عرض

وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي ٱلآخِرِينَ
١٠٨
سَلاَمٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ
١٠٩
كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ
١١٠
إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ
١١١
وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ
١١٢
وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَىٰ إِسْحَاقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ
١١٣
وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَارُونَ
١١٤
وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ
١١٥
وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُواْ هُمُ ٱلْغَٰلِبِينَ
١١٦
وَآتَيْنَاهُمَا ٱلْكِتَابَ ٱلْمُسْتَبِينَ
١١٧
وَهَدَيْنَاهُمَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ
١١٨
وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي ٱلآخِرِينَ
١١٩
سَلاَمٌ عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَارُونَ
١٢٠
إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ
١٢١
إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ
١٢٢
وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ
١٢٣
إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلاَ تَتَّقُونَ
١٢٤
أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ ٱلْخَالِقِينَ
١٢٥
ٱللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ
١٢٦
فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ
١٢٧
إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ
١٢٨
وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي ٱلآخِرِينَ
١٢٩
سَلاَمٌ عَلَىٰ إِلْ يَاسِينَ
١٣٠
إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ
١٣١
إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ
١٣٢
وَإِنَّ لُوطاً لَّمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ
١٣٣
إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ
١٣٤
إِلاَّ عَجُوزاً فِي ٱلْغَابِرِينَ
١٣٥
ثُمَّ دَمَّرْنَا ٱلآخَرِينَ
١٣٦
وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ
١٣٧
وَبِٱلَّيلِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ
١٣٨
وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ
١٣٩
إِذْ أَبَقَ إِلَى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ
١٤٠
فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُدْحَضِينَ
١٤١
فَٱلْتَقَمَهُ ٱلْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ
١٤٢
-الصافات

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله تعالى (ذكره): { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي ٱلآخِرِينَ } إلى قوله: { وَهُوَ مُلِيمٌ }.
أي: وأبقينا على إبراهيم ثناء حسناً في الآخرين من الأمم، قاله قتادة. وقال ابن زيد: سأل إبراهيم عليه السلام ربه فقال:
{ وَٱجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي ٱلآخِرِينَ } [الشعراء: 84]، أي الثناء الحسن، فأبقى الله عليه أن يقال: { سَلاَمٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ } أي: أمنة / من الله أن يذكر الإنجيل.
ثم قال: { كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } أي: كما جزينا إبراهيم على طاعته، كذلك نجزي من أطاع الله وأحسن عبادته.
ثم قال: { وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } أي: بشرناه - بعد أن فدينا إسماعيل بالذبح - بإسحاق مقدراً له النبوة والصلاح.
ومن قال: إن الذبيح إسحاق فمعناه عنده: (وبشرنا إبراهيم) / بعد الفداء بنبوة إسحاق نبياً. وفيه بُعْدٌ لأنك (لو) قلت: بشرتك بقدوم زيد قادماً، لم يكن للحال فائدة، ولم يوضع لغير فائدة.
قال قتادة: بشر بنبوته بعدما جاد لله بنفسه.
ثم قال: { وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَىٰ إِسْحَاقَ } أي: ثبتنا عليهما النعمة.
{ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ } وهو المطيع.
{ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ } وهو الكافر.
وذكر الطبري عن السدي أنه قال: كان إبراهيم كثير الطعام يطعم الناس ويضيفهم، فبينما هو يطعم الناس إذ رأى شيخاً كبيراُ يمشي في الحرة، فبعث إليه بحمار فركبه حتى أتاه فأطعمه فجعل الشيخ يأخذ اللقمة يريد أن يدخلها في فيه فيدخلها في أذنه مرة وفي عينه مرة ثم يدخلها في فيه، فإذا أدخلها في فيه، خرجت من دبره. وكان إبراهيم صلى الله عليه وسلم قد سأل ربه ألا يقبض روحه حتى يكون هو الذي يسأله الموت. فقال إبراهيم للشيخ حين رأى حاله: ما بالك يا شيخ تصنع هذا؟ قال يا إبراهيم الكبر، قال له: ابن كم أنت؟ فزاد على عمر إبراهيم بسنتين، فقال إبراهيم: إنما بيني وبينك سنتين، فإذا بلغت ذلك صرت مثله، قال نعم، فقال إبراهيم: اللهم اقبضني إليك قبل ذلك، فقام الشيخ فقبض روح إبراهيم. وكان ملك الموت قد تمثل في صورة شيخ لإبراهيم، ومات إبراهيم وهو ابن مائتي سنة.
وقيل: ابن مائة وسبع وتسعين سنة.
ثم قال (تعالى): { وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَارُونَ } أي: تفضلنا عليهما بالنبوة والرسالة.
{ وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا } أي: ومن آمن معهما، يعني بني إسرائيل.
{ مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ } أي: من الغرق.
ثم قال (تعالى): { وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُواْ هُمُ ٱلْغَٰلِبِينَ } أي: ونصرنا موسى وهارون وقومهما على فرعون وآله بتغريقنا إياهم فكانوا هم الغالبين.
وقال الفراء: الضمير في { وَنَصَرْنَاهُمْ } و { فَكَانُواْ } { هُمُ ٱلْغَٰلِبِينَ } يعود على موسى وهارون وأن التثنية ردت إلى الجمع. ودل على ذلك قوله (جل ذكره).
{ وَآتَيْنَاهُمَا ٱلْكِتَابَ ٱلْمُسْتَبِينَ * وَهَدَيْنَاهُمَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي ٱلآخِرِينَ * سَلاَمٌ عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَارُونَ }.
وقال قوم: إنما جمع في موضع التثنية لأنهما عظيما الشأن جليلا القدر. والعرب تخبر عن الواحد من هذا النوع بلفظ الجمع، فالإخبار عن اثنين منهما بلفظ (الجمع) آكد وأحسن.
ومعنى { ٱلْمُسْتَبِينَ }: المتبين هداه وفضله وأحكامه، يعني التوراة، والصراط المستقيم: الإسلام.
{ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي ٱلآخِرِينَ } أي: أبقينا عليهما الذكر الجميل والثناء الحسن، فكذلك نفعل بمن أحسن في طاعتي وأدى فرائضي. وفيه من الاختلاف ما تقدم في قصة نوح، وهو يقتضي قوله:
{ وَٱجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي ٱلآخِرِينَ } [الشعراء: 84].
(ثم قال): { إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي: الذين أخلصناهم واخترناهم للطاعة وهديناهم للإيمان.
ومن كسر اللام فمعناه: إنهما من عبادنا الذين أخلصوا العمل ولم يشركوا فيه غيري.
قال (تعالى): { وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ }.
قال ابن إسحاق: (وهو إلياس) (بن) ياسين بن فنحاص بن العزار بن هارون بن عمران. وكان إلياس من سبط يوشع بن نون، بعثه الله تعالى إلى أهل بعلبك، (وكانوا يعبدون صنماً) يقال له بعل.
وقيل هو إدريس. قاله قتادة.
والمعنى: (إنه) لَمِنَ الذين أرسلهم الله إلى الخلق، فقال لقومه: ألا تتقون الله فتخافون عقابه على عبادتكم رباً غيره. (و) هو قوله: { أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ ٱلْخَالِقِينَ }.
والبعل: الرب لغة أهل اليمن مشهورة، قاله عكرمة ومجاهد وقتادة والسدي.
وروي ذلك عن ابن عباس. وقال الضحاك: هو صنم لهم يسمى بعلاً.
وقال ابن زيد: هو صنم كانوا يعبدونه ببعلبك مدينة وراء دمشق.
وقيل: إن بعلاً تيس كانوا يعبدون.
وقال ابن إسحاق: بلغني أن بعلاً امرأة كانوا يعبدونها / من دون الله جل ذكره.
قال وهب بن منبه: بعث الله إلياس إلى بني إسرائيل حين نسوا ما عهد الله إليهم، حتى (نصبوا) الأوثان وعبدوها من دون / الله، فجعل إلياس يدعوهم إلى الله عز وجل، وجعلوا لا يسمعون منه شيئاً. وكان (له مَلِكٌ) من ملوك بني إسرائيل يطيعونه يقال له: جاب. وكان إلياس يقرب من الملك، وكان الملك يطيع إلياس (فيما) يقول له، ويراه الناس على هدى. وكانت ملوك بني إسرائيل قد افترقت في البلاد وأخذ كل واحد ناحية يأكلها، ويعبدون الأصنام، فقال الملك يوماً لإلياس: والله ما أرى ما تدعو إليه إلا باطلاً، والله ما أرى (فلاناً) وفلاناً - يذكر ملوكاً من ملوك بني إسرائيل - إلا قد عبدوا الأوثان من دون الله، وهم (على) نحو ما نحن عليه (من النعيم)، يأكلون ويشربون ويتنعمون مملكين، ما تنقص دنياهم عبادتهم الأوثان التي تزعم أنها باطل وما نرى لنا عليهم من فضل، فعظم الأمر على إلياس، واقشعر جلده وخرج عنه، ففعل ذلك الملك فعل أصحابه وعبد الأوثان، فقال إلياس: اللهم إن بني إسرائيل قد أبوا إلا الكفر بك والعبادة لغيرك فغير ما بهم من نعمة!
أو كما قال:
(قال) ابن إسحاق: فذكر لنا أنه أوحي إليه أنا قد جعلنا أمر أرزاقهم بيدك وإليك حتى تكون أنت الذي تأذن في ذلك. فقال إلياس: اللهم أمسك عنهم القطر، فحبس عنهم ثلاث سنين حتى هلكت الماشية والدواب والشجر، وجهد الناس جهداً شديداً، وكان إلياس حين دعا عليهم قد استخفى شفقاً على نفسه منهم. وكان حيث ما كان وضع له رزق، وكانوا إذا وجدوا ريح الخبز في دار أو بيت قالوا: قد دخل إلياس هذا المكان فطلبوه ولقي أهل ذلك المنزل شراً.
ثم إنه أوى ليلة إلى امرأة من بني إسرائيل لها ابن يقال له: اليسع بن أخطوب به ضر، فآوته وأخفت أمره فدعا إلياس لابنها فعوفي من الضر الذي كان به واتبع اليسع إلياس. فآمن به وصدقه ولزمه، وكان يذهب معه حيث ما ذهب، وكان إلياس قد أسن وكبر، وكان اليسع غلاماً شاباً، فَذُكِر أن الله جل ذكره أوحى إلى إلياس: إنك قد أهلكت خلقاً كثيراً بخطايا بني إسرائيل من البهائم والدواب والطير والهوام والشجر. فذكر - والله أعلم - أن إلياس قال: أي رب، دعني أكن أنا الذي أدعوا لهم به، وأكن أنا الذي آتيهم بالفرج مما هم فيه من البلاء الذي أصابهم لعلهم يرجعون عن عبادة غيرك، فقيل له: نعم، فأتى إلياس إلى بني إسرائيل، فقال لهم: إنكم قد هلكتم جهداً وهلكت البهائم والدواب والطير والشجر بخطاياكم، وإنكم على باطل وغرور، أو كما قال لهم، فإن كنتم تحبون (علم) ذلك، وتعلمون أن الله عليكم ساخط فيما أنتم عليه، والذي أدعوكم إليه الحق، فاخرجوا بأصنامكم هذه التي تبعدونها وتزعمون أنها خير مما أدعوكم إليه، فإن استجابت لكم فذلك كما تقولون. فإن هي لم تفعل علمتم أنكم على باطل فنزعتم ودعوت الله يفرج عنكم ما أنتم فيه من البلاء، قالوا: أنْصَفت، فخرجوا بأوثانهم وما يتقربون به إلى الله من أحداثهم، فدعوها فلم تستجب لهم ولم تفرج عنهم ما كانوا فيه من البلاء، فعرفوا ما هم فيه من الضلال والباطل، فقالوا لإلياس: يا إلياس إنا قد هلكنا، فادع الله لنا، فدعا إلياس لهم بالفرج مما هم فيه، وأن يسقوا، فخرجت سحابة مثل الترس بإذن الله على ظهر البحر وهم ينظرون، ثم ترامى إليهما السحاب ثم أُدْحِيت، ثم أرسل الله المطر فأغاثهم، فحييث بلادهم وفرج عنهم ما كانوا فيه من البلاء. فلم يرجعوا ولا نزعوا، وأقاموا على ما كانوا عليه، فلما رأى ذلك إلياس من كفرهم، دعا ربه يقبضه إليه فيريحه منهم، فذكر أن الله عز وجل أوحى إليه: أخرج إلى بلد كذا وكذا فما جاءك من شيء فاركبه ولا تهبه، فخرج إلياس وخرج معه اليسع حتى إذا كانا بالبلد الذي ذكر له في المكان الذي أمر به أقبل فرس من نار حتى وقف بين يديه، فوثب عليه فانطلق به (فناداه) اليسع يا إلياس (يا إلياس) ما تأمرني به؟ فكان آخر عهدهم به، فكساه الله الريش، / وألبسه النور، / (وقطع) عنه لذة المطعم والمشرب، وكان في الملائكة إنيساً ملكياً أرضياً سماوياً.
قال أبو محمد رضي الله عنه: وهذا الخبر إذا صح فإنما يصح على قول من قال: إنه إدريس صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى ذكره في إدريس
{ وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً } [مريم: 57].
وقوله: { وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ ٱلْخَالِقِينَ } أي: خالقكم الذي هو أحسن المقدرين للأشياء.
{ ٱللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ } أي الماضين.
[ثم قال: { فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ } أي: محضرون في عذاب الله].
ثم قال: { إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ } أي: الذين اختارهم (الله) فأنجاهم من العذاب بتوفيقه إياهم.
ثم قال: { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي ٱلآخِرِينَ * سَلاَمٌ عَلَىٰ إِلْ يَاسِينَ } أي: وأبقينا عليه الثناء الحسن بعده، فيقال: "سلام على آل ياسين"، أي: سلام على أهل دينه، فيسلم على أهله من أجله، فهو داخل في أفضل الثناء.
ومن قرأ "اليَاسِينَ" غير مقطوع. فقال ابن أبي إسحاق: هو اسمه مثل ابراهيم.
وذهب أبو عبيد إلى أنه جُمِعَ جَمْعَ السلامة على معنى أنه وأهل مذهبه يسلم عليهم.
وقال علي بن سليمان: العرب تُسمي قوم الرجل باسم الرجل الجليل منهم، فيقولون: المهالبة لأصحاب المهلب، كأنهم سموا كل واحد بالمهلب فعلى هذا قيل الياسين، يريد قومه المؤمنين كأنه سمَّى كل واحد منهم بإلياس.
وذكر سيبويه أن هذا المعنى إنما يجيء على معنى النسبة، حكى الأشعرون، يريد به النسب.
واحتج أبو عمرو وأبو عبيد على تركه لقراءة آل ياسين، أنه ليس في السور سلام على آل فلان من الأنبياء، فكما سمي الأنبياء في هذا المعنى سمي هو. ولا حجة في هذا لأنه إذا أثني على قومه المؤمنين من أجله فهو داخل في ذلك وله منه أوفر الحظ، وهو أبلغ في المدح ممن أثني عليه باسمه، وأيضاً فإن الخط مثبت بالانفصال.
وقال الفراء: هو مثل
{ طُورِ سَيْنَآءَ } [المؤمنون: 20] و { وَطُورِ سِينِينَ } [التين: 2]، والمعنى واحد.
ومعنى ذلك: أن إلياس اسم أعجمي، [والعرب إذا استعملت الأسماء الأعجمية في كلامها غيرتها بضروب من] التعبير، فيقولون: إبراهيم وإبراهام وإبرهام، وميكائيل ومْيكائيل وميكاين وميكال، وإسماعيل وإسمعيل، وإسرائيل وإسرائين، وشبهه. فكذلك إلياس وإلياسين هو واحد. قال السدي: "سلام على الياسين" هو: إلياس.
قال الفراء: إن أخذته من الأَلْيَسِ صرفته، فيكون وزنه على هذا إفعال مثل إخراج.
وقرأ الحسن بوصل الألف (بجعله الألف) واللام اللتين للتعريف دخلتا على ياسين.
ثم قال: { إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } أي: كما فعلنا بإلياس كذلك نفعل بأهل الطاعة والإحسان.
ثم قال: { إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي: من الذين آمنوا وأطاعوا ولم يشركوا.
ثم قال (تعالى): { وَإِنَّ لُوطاً لَّمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } أي: لمن الذين أرسلهم الله بالإنذار والإعذار.
ثم قال (تعالى): { إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ } أي: من العذاب الذي أحللنا بقومه على كفرهم.
وفي الكلام حذف، والتقدير: وإن لوطاً لمن المرسلين إلى قومه بالإنذار فكذبوه فنجيناه وأهله.
ثم قال: { إِلاَّ عَجُوزاً فِي ٱلْغَابِرِينَ } أي: في الباقين، يعني امرأة لوط.
قال الضحاك: يعني امرأته تخلفت فمسخت حجراً.
وقال السدي: "في الغابرين" في الهالكين.
وقيل: في "الغابرين": في الذين بلغوا العمر الطويل، وقد تقدم هذا بأشبع شرحاً.
ثم قال: { ثُمَّ دَمَّرْنَا ٱلآخَرِينَ } أي: أهلكناهم بالحجارة.
ثم قال: { وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ } هذا خطاب لقريش، أي: إنكم لتمرون في أسفاركم على آثارهم وديارهم وموضع هلاكهم في النهار وفي الليل، فلا تتعظون، لا تزدجرون وتخافون أن يصيبكم مثل ما أصابهم، ولا تعقلون ما يراد بكم، وأنه من سلك مثل ما سلكوا من الكفر والتكذيب أنه صائر إلى مثل ما صاروا إليه.
"وبالليل" وقف كاف، و "تعقلون" التمام.
ثم قال (تعالى): { وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } أي: لمن الذين أُرْسِلَ إلى قومه بالإنذار والإعذار.
{ إِلَى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } (أي): هرب.
وقال المبرد: أصله تباعد.
وقيل له /: آبق لأنه خرج بغير أمر الله عز وجل مستتراً من الناس إلى الفلك وهي السفينة. والمشحون: المملوء الموقر. "فَسَاهَمَ" أي: فقارع.
قال السدي: فاحتبست بهم السفينة فعلموا أنها إنما احتبست من / حدث أحدثوه، فتساهموا فقُرع يونس فرمى بنفسه، فالتقمه الحوت.
وقوله: { فَكَانَ مِنَ ٱلْمُدْحَضِينَ } أي: من المقروعين.
قال طاوس، لما ركب السفينة ركدت فقالوا: إن فيها رجلاً مشؤوماً، فقارعوا فوقعت القرعة عليه ثلاث مرات فرموا به، فالتقمه الحوت، وأصل دحضت من الزلق في الماء والطين.
يقال: أدحض الله حجته ودحضت، وحكي: دحض الله حجته، وهي قليلة وقوله: { فَٱلْتَقَمَهُ ٱلْحُوتُ } أي: ابتلعه.
{ وَهُوَ مُلِيمٌ } أي: وهو قد أتى ما يلام عليه (من) خروجه بغير أمر (من) الله. يقال: ألاَمَ الرجل إذَا أتى ما يلام عليه. والمَلُوم: الذي يلام باللسان (إن) استحق ذلك أو لم يستحقه.
قال مجاهد: { مُلِيمٌ }: مذنب.