التفاسير

< >
عرض

لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلاۤ أَمَانِيِّ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً
١٢٣
وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً
١٢٤
-النساء

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله: { لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلاۤ أَمَانِيِّ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ } الآية.
قال مسروق: تفاخر النصارى والمسلمون، فقال هؤلاء: نحن أفضل، وقال هؤلاء: نحن أفضل منكم.
فأنزل الله عز وجل: { لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلاۤ أَمَانِيِّ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ } الآية.
ثم أفلح الله تعالى حجة المؤمنين فقال: { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ } ثم زاد في الفضل فقال: { وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ } الآية.
وقال قتادة: تفاخر المسلمون وأهل الكتاب، فقال أهل الكتاب: نبينا قبل نبيكم، وكتابنا قبل كتابكم، ونحن أحق بالله منكم، وقال المسلمون: نبينا خاتم النبيين، وكتابنا يقضي على الكتب التي كانت قبله، فأنزل الله { لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ } الآية.
أي: ليس ذلك الذي قلتم بأمانيكم ففي ليس اسمها في جميع هذه الأقوال.
{ مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا } ابتداء شرط، وجوابه خبره وهو: { يُجْزَ بِهِ }.
وقال الضحاك: تخاصم أهل الأديان: اليهود والنصارى والمسلمون فأنزل الله { لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ } الآية.
وقال مجاهد: عنى بذلك أهل الشرك من عبدة الأوثان، قالوا: لن نبعث ولن نعذب، وقالت اليهود والنصارى
{ لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ } [البقرة: 111].
فأنزل الله { لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ } يعني المشركين في قولهم: لن نبعث ولن نعذب.
{ وَلاۤ أَمَانِيِّ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ } يعني قولهم لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى { مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ } خلافاً لمن أدعى الجميع.
والمعنى: ليس الكائن من أمركم بما تتمنون يا أهل الشرك ولا بما يتمنى أهل الكتاب، وهم اليهود والنصارى بل { مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ }.
وقيل: التقدير: ليس ثواب الله بأمانيكم لأنه قد جرى ذكر ذلك في قوله: { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ } الآية { وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً } أي: مقدار النقير وهو النقطة في ظهر النواة وهي منبت النخلة.
وقالت عائشة رضي الله عنها في قوله: { مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ } ذلك ما يصيبهم في الدنيا، وقاله مجاهد وغيره.
وقال الحسن: { مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ } الكافر وقرأ
{ { وَهَلْ نُجَٰزِيۤ إِلاَّ ٱلْكَفُورَ } [سبأ: 17]، وقال في قوله { { لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ } [النجم: 31]: "هِمُ الكُفَّارَ" { { وَيِجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِٱلْحُسْنَى } [النجم: 31] قال: كانت والله لهم ذنوب، ولكنه غفرها لهم، ولم يجازهم بها.
وقال ابن زيد: يعني المشركين يريد بالآية قال: وعد الله المؤمنين أن يكفر عنهم سيئاتهم.
وقال الضحاك: { مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ } يعني بذلك اليهود والنصارى، والمجوس وكفار العرب.
قوله: { وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً }.
وروي أن هذه الآية لما نزلت قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه:
" يا رسول الله: وإن لمجزون بأعمالنا؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما المؤمن فيجزى بها في الدنيا، وأما الكافر فيجزى بها يوم القيامة" .
وقال الحسن وابن أبي كثير { مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ } أي يعمل شركاً يجز به بدلالة قوله: { وَهَلْ نُجَٰزِيۤ إِلاَّ ٱلْكَفُورَ } وتلاها الحسن مع هذه (الآية) استشهاداً بها.
وروى عن ابن عباس أنه قال: السوء هنا: الشرك، ومعنى من يشرك: يجز به.
وقال ابن جبير: { مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ } أي: من يشرك.
قالت عائشة وأبي بن كعب: إن المعنى: من عمل سوءاً من مؤمن، أو كافر جوزي به، وهو اختيار الطبري، واحتج بما روى أبو هريرة قال:
"لما نزلت هذه الآية شقت على المسلمين منهم ما شاء الله أن تبلغ، فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قاربوا وسددوا، ففي كل ما يصاب به المسلم كفارة حتى النكبة ينكبها، أو الشوكة يشاكها" .
وروت عائشة عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال: "لما نزلت هذه الآية: يا رسول الله { مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ } فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أوليس يصيبك كذا (ويصيبك كذا) فهو كفارة" .
وقال ابن عمر: سمعت أبا بكر يقول: "سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: { مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ } في الدنيا" .
وروى عن ابن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال: "يا نبي الله: كيف الصلاح بعد هذه الآية؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم غفر الله لك يا أبا بكر، ألست تمرض؟ ألست تحزن؟ ألست تصيبك اللاواء؟ فهو ما تجزون به" .
وروي أن أبا بكر قال: "لما نزلت هذه الآية، جاءت قاصمة الظهر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما هي المضائق في الدنيا" .