التفاسير

< >
عرض

ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ فَٱلصَّٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ وَٱلَّٰتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهْجُرُوهُنَّ فِي ٱلْمَضَاجِعِ وَٱضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً
٣٤
-النساء

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله: { ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ } الآية.
قال ابن عباس: الرجل أمين على المرأة تطيعه فيما أمرها به، فهو قائم عليها يقوم بنفقتها، ومؤنتها ويسوق مهرها، فهو فضله (الذي فضله) الله عز وجل عليها.
وقال السدي: معنى قوله: "قوامون يأخذون على أيديهن ويؤدبوهن. وهذه الآية نزلت في رجل من الأنصار، لطم امرأته فخوصم، إلى النبي عليه السلام فقضى لها بالقصاص فأنزل الله عز وجل { ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ } الآية: فلم يقتص منه، قاله الحسن وقتادة.
وقيل: إن قوله
{ { وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ } [طه: 114] نزل في أمر الرجال حين جعل عليه القصاص، وعلى ذلك أهل التفسير.
كان الزهري يقول: ليس بين الرجل، وامرأته قصاص فيما دون النفس. وروي أن أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: ما بال النساء لهن نصيب وللرجال نصيبان؟ ما بال شهادة امرأتين مثل شهادة رجل؟ وذكرت أشياء في فضل الرجال، فأنزل الله عز وجل { ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ }.
وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه:
"قدمتُ الشام، فرأيت النصارى يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم، فوقع في نفسي أَنَّا أحق أن نفعل هذا بالنبي فلما قدمت المدينة سجدت له، فقال ما هذا فأخبر(ته) بما رأيت فقال: لو كنت آمراً أن يسجد أحد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، والذي نفسي بيده لا تؤدي امرأة حق الله عليها حتى تؤدي حق زوجها" .
ومعنى: { بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } الآية.
أي: بفضل الرجل على النساء، كانوا قوامين عليهن بما فضل، هو جودة العقل والتمييز والإنفاق، وسَوْق المهر والجهاد وجواز الشهادة وغير ذلك، كله فضل به الرجل على المرأة.
قوله: { وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ } أي: "فضل الرجال على النساء بما ذكرنا، { وَبِمَآ } ساقوا من أموالهم إلى النساء من مهور ونفقة { فَٱلصَّٰلِحَٰتُ } هن المستقيمات لأزواجهن" { قَٰنِتَٰتٌ } أي: طائعات لله ولأزواجهن { حَٰفِظَٰتٌ لِّلْغَيْبِ } أي يحفظن أنفسهن عند غيبة أزواجهن [في فروجهن وأموال أزواجهن.
وقيل: المعنى: طائعات لأزواجهن] ما غاب عنهم من سرهن وشأنهن.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
"خير النساء امرأة إذا نظرت إليها سرتك. وإذا أمرتها أطاعتك وإذا غبت عنها حفظتك، في مالك ونفسها ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { فَٱلصَّٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ } الآية" .
ومعنى { بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ } أي: يحفظ الله إياهن: أي صيرهن كذلك قال سفيان: لحفظ الله إياها إذ جعلها كذلك.
ومن نصب "الله" وهي قراءة جعفر، فالمعنى: فيهن يحفظهن الله في طاعته، وأداء حقه فيما لزمهن به في حفظ غيبة أزواجهن، كقولك للرجل: ما حفظت الله في كذا وكذا والمعنى: بمراقبتهن في حفظ أزواجهن.
وفي قراءة ابن مسعود: بما حفظ الله فأحسنوا إليهن وأجملوا.
والرجل له الحجر على المرأة بنفسها، ومالها إذا تجاوزت الثلث ولا تفعل شيئاً إلا بإذنه إلا في الفرائض التي فرض الله عليها، فلا طاعة له عليها في ذلك من الصلوات وإخراج الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان، هذا مذهب مالك، وله أن يؤدبها تأديباً غير مبرح.
قوله: { وَٱلَّٰتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ } الآية.
"واللاتي" في موضع رفع بالابتداء، وتقديره عند سيبويه: وفيما يتلى عليكم اللاتي، والمحذوف: الخبر، وعند غيره: الخبر: { فَعِظُوهُنَّ }، ويجوز أن تكون "اللاتي" في موضع نصب على قول من قرأ:
{ { وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ } [المائدة: 38] بالنصب.
و { تَخَافُونَ } عند الفراء وأبو عبيدة بمعنى توقنون وتعلمون، (وهو) على بابه عند غيرهما.
والنشوز هو: امتناع المرأة من فراش زوجها، والخلاف له فيما يلزمها من طاعته. وأصل النشوز الارتفاع والانزعاج، فكأنهن ارتفعن عن أداء حق الأزواج، وطاعتهم يقال: نشزت ونشصت. وقيل: النشوز البغض قاله السدي.
وقال ابن زيد: النشوز المعصية والخلاف. وقال عطاء: النشوز أن تحب فراقه.
وقال ابن عباس: هو أن تستخف بحقه، ولا تطيع أمره "فعظوهن" أي: خوفوهن، وذكروهن الله.
وقال ابن عباس: فعظوهن بكتاب الله وبطاعته، وهو قول الجماعة.
{ وَٱهْجُرُوهُنَّ فِي ٱلْمَضَاجِعِ } إذا لم يرجعن مع الوعظ فاهجروهن بترك جماعهن ومضاجعتهن.
وقال السدي: وغيره: "يرقد عندها ويوليها ظهره، ويطؤها ولا يكلمها".
روي عن ابن عباس أنه قال: يهجرها في المضجع من غير أن يذكر نكاحاً، وذلك عليها شديد.
(وقيل: المعنى [اهجروهن في الكلام حتى يرجعن إلى مضاجعتكم كأنه قال]: اهجروهن من أجل المضاجع.
وقال ابن عباس الهجران إنما هو في أمر المضجع، وأنها لو تركت لم تضاجع، وقال ابن جبير اهجروهن يأتين مضاجعكم).
وقال عكرمة وغيره: إنما الهجران بالمنطق، ويلزم من قال هذا أن يقطع الألف لأنه إنما يقال في هذا المعنى الإهجار، يقال: أهجر فلان في منطقه إذا تكلم بالقبيح. وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"إذا باتت المرأة مهاجرة لزوجها لعنتها الملائكة حتى ترجع" .
وقوله { وَٱضْرِبُوهُنَّ } أي: إن لم يرجعن بالهجران في المضاجع، فيضربن ضرباً غير مبرح، كذلك قال المفسرون: وقال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة له "ضرباً غير مبرح" وعنه "غير مؤثر" .
واختار الطبري في الآية أن يكون المعنى: واضربوهن من أجل المضاجع.
{ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ } إلى ما يجب عليهن { فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً } أي: فلا تلتمسوا عليهن طريقاً في الظلم، وهو التعالي عليهن { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيّاً } المعنى لا تبغوا عليهن العلل فتُعلوا أيديكم عليهن، فإن الله ذو علم فوقكم وفوق كل شيء، فأيديكم وإن كانت عالية، فليس من أجلها علوا تبغوا عليهن، وتطلبوا العلل فإن الله أعلى يداً وأكبر من كل شيء. وقيل: المعنى: لا تبغوا عليهن سبيلاً لا تكلفوهن الحب لكم إنما لكم عليهن المساعدة في الجماع أما القلب فليس بيدها منه شيء.