التفاسير

< >
عرض

وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقاً
٦٩
ذٰلِكَ ٱلْفَضْلُ مِنَ ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ عَلِيماً
٧٠
-النساء

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قولهم: { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ } الآية.
المعنى من يطع الله عز وجل والرسول صلى الله عليه وسلم بتسليم لأمرهما والرضا بحكمهما، فهو مع الذين أنعم الله عليهم لأنبيائه، وأهل طاعته في الآخرة { وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقاً } أي: وحسن الأنبياء ومن معهم رفيقاً.
و{ رَفِيقاً } منصوب على الحال عند الأخفش، بمعنى رفقاء، وقال الكوفيون: نصبه على التفسير، وقال بعض البصريين نصبه على التمييز.
والصديقون: أتباع الأنبياء صلوات الله عليهم، صدقوهم فهو فعيل من الصدق وقد كثر ذلك عنه.
وقيل: هو فعيل من الصدقة كأنه (كثر) ذلك منه.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم في حكاية أنه قال:
"الصديقون المتصدقون" .
وفعيل أصله المبالغة في ذم أو مدح.
{ وَٱلشُّهَدَآءِ } جمع شهيد، وهو المقتول في سبيل لله [شهد لله عز وجل بالحق، فسمي شهيداً لذلك. وقيل: سمي شهيداً لأنه يشهد كرامة الله] سبحانه وقيل: لأنه يشهد على العباد بأعمالهم يوم القيامة، وقيل: هم الذين قاموا وشهدوا لله بالحق. ويقال: الشهداء عدول يوم القيامة.
{ وَٱلصَّالِحِينَ } كل من صلحت سريرته وعلانيته. { وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقاً } في الجنة. والرزق لفظه لفظ واحد وهو في معنى الجمع.
ويروى أن هذه الآية نزلت في قوم حزنوا على فقد النبي صلى الله عليه وسلم حذر ألا يروه في الآخرة، فأخبرهم الله عز وجل أن من أطاعه، وأطاع رسوله مع النبيين في الجنة.
وقال ابن جبير:
"جاء رجل من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو محزون: قيل: هو عبد الله بن زيد الذي رأى الآذان في منامه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: مالي أراك محزوناً؟ فقال: يا نبي الله، شيء فكرت فيه يقال: ما هو؟ فقال: نحن نغدو ونروح ننظر في وجهك ونجالسك، وغداً ترفع مع النبيين فلا نصل إليك، فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً، فأتاه جبرئيل صلى الله عليه وسلم بهذه الآية: { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ } الآية.
فبعث إليه النبي صلى الله عليه وسلم فبشره"
.
وقال مسروق: قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم له: ما ينبغي لنا أن نفارقك في الدنيا فإنك لو قد مت رفعت فوقنا، فلم نرك، فأنزل الله عز وجل { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ } الآية: وروي نحو ذلك قتادة والسدي وغيرهما.
وقال عطاء:
"جاء رجل من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبكي، فقال: ما يبكيك يا فلان؟ فقال: يا نبي الله والله الذي لا إله إلاّ هو، لأنت أحب إلي من أهلي ومالي، والله الذي لا إله إلا هو، لأنت أحب إلي من نفسي، وأنا أذكرك وأنا في أهلي، فيأخذني الجنون حتى أراك، فذكرت موتك وموتي، فعرفت ألا اجتمع معك، إلا في الدنيا، وأنت ترفع مع النبيين وعرفت أني إن دخلت الجنة منزلتي أدنى من منزلتك، فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً، فأنزل الله عز وجل { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ } الآية" .
قيل هو عبد الله بن زيد الذي رأى الأذان في المنام وروي أنه لما بلغه موت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم اعمني حتى لا أرى شيئاً بعد حبيبي صلى الله عليه وسلم فعمي من وقته.
قوله: { ذٰلِكَ ٱلْفَضْلُ } أي ذلك العطاء بأن يكونوا مع النبيين صلوات الله عليهم، فضل من الله عز وجل عليهم، بأن وفقهم للطاعة، فجعلهم مع النبيين والصديقين في الجنة، فهو سابقة منه لهم، لم يطيعوا إلا بفضله، وبالطاعة التي هي بفضله وصلوا إلى فضله، فكل من عنده، وبفضل منه، لا إله إلا هو، لا خير إلا من عنده، ولا توفيق إلا به يوفق للخير ويجازي عليه بخير، فهذا الفضل العظيم الظاهر { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ عَلِيماً } أي اكتفوا به.