تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه
قوله: { وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ } الآية.
المعنى: واذكر إذ قال { ٱللَّهُ }. وجماعة من المفسرين على أن الله أخبرنا أنه قال لعيسى حين رفعه إليه، قاله السدي وغيره.
وقيل: هو خبر من الله عما يكون في القيامة، قال ابن جريج: يقول ذلك لعيسى والناس يسمعون، فيراجعه بالإقرار والعبودية، فيعلم من كان يقول في عيسى ما يقول أنه إنما كان باطلاً.
ودَلّ قوله: { هَـٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ ٱلصَّادِقِينَ } على أنه يوم القيامة. و (إذ) - على هذا - بمعنى "إذا"، ويكون { قَالَ } بمعنى "يقول" كما قال: { { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ فَزِعُواْ } [سبأ: 51] أي: إذا (فزعوا) وإذ يفزعون.
والمسألة في قوله: { أَأَنتَ قُلتَ } إنما هي على وجه التوبيخ للذين ادعوا عليه ذلك، وهم بنو إسرائيل.
واختار الطبري قول السدي أنه خبر قد كان حين رفعه الله إليه، لأن (إذ) { فِي } (الأغلب) من كلام العرب - لما مضى - فحَمْلُ الكلام على الاكثر الفاشي أولى، ولأن عيسى لا يشك - هو ولا أحد من الأنبياء - أن الله لا يغفر لمن مات على شركه، فيجوز أن يتوهم على عيسى أنه قال في الآخرة - مجيباً لربه إذ سأله عمن اتخذه (هو) وأمه إلهين - { { إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } [المائدة: 118].
ووجه سؤال الله لعيسى عما قد علم أنه لم يفعله: هو على معنى تنبيه المسؤول على الاستعظام، كقولك للرجل: "أفعلت كذا وكذا؟" - وأنت تعلم أنه لم يفعله - / ليستعظم فعل ما قد سألته عنه، وقيل: إنما سأله عن ذلك على وجه إعلامه أن أمته قد فعلت ذلك بعده، فأعلمه حالهم بعده.
ومعنى: { تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي } أي: تعلم غيبي، ولا أعلم غيبك حتى تُطلِعَني عليه، { إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ } أي: علام الخَفِيّات من الأمور. وقيل: المعنى: تعلم حقيقتي ولا أعلم (غيبك) ولا حقيقتك.
والنفس - في كلام العرب - يجري على ضربين:
على النفس التي بخروجها يكون الموت، كقولك: "خَرَجَت نفسُ فلان" أي: مات.
ويكون جملة الشيء وحقيقته، تقول: "قَتَل فلان نفسَه"، فليس المعنى (أن) الهلاك وقع ببعضه، إنما وقع بذاته كلها وحقيقته. وأجاز بعضهم الوقف على (ما ليس { لِي }، ويكون { بِحَقٍّ } متعلقاً بـ { عَلِمْتَهُ } على معنى: فقد علمته بحق، ورد ذلك بعضهم، لأن التقديم والتأخير لا يجوز إلا بتوقيف أو فيما { لاَ } يمكن إلا ذلك.
والتمام عند نافع وغيره { بِحَقٍّ }. وكذلك روي أن النبي صلى الله عليه وقف عليه.