{ فَأَقْبَلَتِ ٱمْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ } إلى قوله { ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } الآيات.
المعنى: فأقبلت امرأته سارة في صرة أي: في صيحة.
ومعنى أقبلت: أخذت في فعل الأمر، وليس هو بإقبال / نقلة من مكان.
وهو كقول القائل (أقبل فلان يشتمني، أي: أخذ في ذلك).
وقال قتادة: في صرة: في رنة.
وقال ابن عباس ومجاهد وغيرهما: في صرة: في صيحة.
وقال بعضهم تلك الصيحة هو قوله: "فصكت وجهها".
قال ابن عباس: لطمته.
وقال السدي: لما بشر جبريل عليه السلام سارة بإسحاق ضربت وجهها تعجباً.
وقال مجاهد: ضربت جبهتها تعجباً.
وقال سفيان: وضعت يدها على جبهتها تعجباً.
وقيل: إنما ضربت وجهها بأصابعها.
ثم قال: { وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ } أي: أنا عجوز عقيم فكيف ألد، والعقيم التي لا تلد.
{ قَالُواْ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ } أي: قالت لها الرسل هكذا قال ربك، أي: كما أخبرناك وقلنا لك.
{ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْعَلِيمُ } أي: الحكيم في تدبيره خلقه، العليم بمصالحهم، وبما كان وبما هو كائن.
ثم قال: { قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا ٱلْمُرْسَلُونَ } أي: قال إبراهيم للرسل: ما شأنكم أيها الرسل وما نبأكم، قالوا: إنا أرسلنا ربنا إلى قوم مجرمين، أي: كافرين.
{ لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ } أي: من السماء نرسلها عليهم. ومعنى { مِّن طِينٍ } من أجر مسومة عند ربك: أي: معلمة.
وقيل: معناه: مرسلة. من سومت الإبل: إذا أرسلتها.
وقال ابن عباس مسومة: مختوم عليها، يكون الحجر أبيض عليه نقطة سوداء، ويكون أسود عليه نقطة بيضاء. { لِلْمُسْرِفِينَ } أي: للمعتدين حدود الله عز وجل.
وعن ابن عباس في "مسومة" أنها المعلمة بعلامة تعرف بها الملائكة أنها للمسرفين في المعاصي.
وقيل: إنه كان مكتوب على كل حجر أسم من يهلك به.
ثم قال: { فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي: من كان في قرية لوط وهي "سدوم" وهم لوط وابنتاه، أنجاهم الله مع لوط. وجاز إضمار القرية ولم يجر لها ذكر؛ لأن المعنى مفهوم. وقيل الهاء في "فيها" للجماعة. { فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا } أي: في القرية { غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } وهو بيت لوط.
قال ابن زيد: ما كان مع لوط مؤمن واحد، وعرض عليهم أن ينكحوا بناته رجاء أن يكون له منهم عضد يعينه (ويدفع عنه)، { قَالَ يٰقَوْمِ هَـٰؤُلاۤءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ }: يريد النكاح فأبوا عليه.
قال قتادة: لو كان فيها أكثر من ذلك لأنجاهم الله ليعلموا أن الإيمان عند الله محفوظ فلا ضيعة على أهله.
ثم قال: { وَتَرَكْنَا فِيهَآ آيَةً لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } أي: أبقينا في قرية لوط عبرة وعظة لمن خاف عذاب الله؛ لأنها انقلبت بأهلها، فصار أعلاها أسفلها، وأرسلت الحجارة على من غاب منهم عن القرية.
والمعنى عند الفراء: وتركناها آية، "وفي" زائدة.