التفاسير

< >
عرض

وَٱلذَّارِيَاتِ ذَرْواً
١
فَٱلْحَامِلاَتِ وِقْراً
٢
فَٱلْجَارِيَاتِ يُسْراً
٣
فَٱلْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً
٤
إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ
٥
وَإِنَّ ٱلدِّينَ لَوَٱقِعٌ
٦
وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْحُبُكِ
٧
إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ
٨
يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ
٩
قُتِلَ ٱلْخَرَّاصُونَ
١٠
ٱلَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ
١١
يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلدِّينِ
١٢
يَوْمَ هُمْ عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ
١٣
ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ
١٤
إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ
١٥
آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ
١٦
-الذاريات

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله: { وَٱلذَّارِيَاتِ ذَرْواً } إلى قوله: { مُحْسِنِينَ } الآيات.
المعنى: ورب الرياح الذاريات ذروا. يقال: ذَرَتِ الرِّيحُ الشَّيءَ: إذا فَرَّقَتْهُ، وأَذْرَتْهُ فَهِيَ مَذْرِيَّة.
ثم قال: { فَٱلْحَامِلاَتِ وِقْراً } ورب السحاب الحاملات وقراً، يعني موقرة من ماء المطر، يعني مثقلة من المطر.
ثم قال: { فَٱلْجَارِيَاتِ يُسْراً } أي: ورب السفن الجاريات يسراً: أي: جرياً سهلاً.
ثم قال: { فَٱلْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً } أي: ورب الملائكة المقسمات بأمر الله الأمر من عنده بين خلقه.
قال الفراء: { فَٱلْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً } يعني: الملائكة (تأتي بأمر مختلف) جبريل / صاحب الغلظة، وميكائيل صاحب الرحمة، وملك الموت يأتي بالموت، فتلك قسمة الأمر، والجواب عن هذه الأقسام:
{ إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ * وَإِنَّ ٱلدِّينَ لَوَٰقِعٌ } يعني: البعث والجزاء، والجنة والنار.
قال أبو الطفيل: شهدت علي بن أبي طالب يخطب وهو يقول: سلوني فوَالله لا تسألوني عن شيء يكون إلى يوم القيامة إلا أعلمتكم به، وسلوني عن كتاب الله، فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار، في سهل أم في جبل، فقام إليه ابن الكواء فقال: ما والذاريات ذرواً، فالحاملات وقراً، فالجاريات يسراً فالمقسمات أمراً، (فقال علي): ويلك، سل تفقهاً ولا تسأل تعنتاً، والذاريات ذرواً: الريح، فالحاملات وقراً: السحاب، فالجاريات يسرا: السفن، فالمقسمات أمرا: الملائكة، وهو قول ابن عباس.
وقد قيل: إن الحاملات وقراً السفن تحمل أثقال بني آدم بأمر الله عز وجل.
وقيل: هي الرياح؛ لأنها تحمل السحاب من بلد إلى بلد فتسوقه.
وقوله { لَصَادِقٌ } معناه لصدقه، فوقع الاسم في موضع المصدر، كما يأتي المصدر في موضع الاسم نحو: هو رجل عدل: أي: عادل، ورجل رضى أي: مرضي ودرهم وِزْنُ الأمير: أي: مَوْزُونُه.
ثم قال: { وَإِنَّ ٱلدِّينَ لَوَٰقِعٌ } أي: وإن الجزاء بالأعمال لواقع يوم القيامة كائن لا محالة فيه.
ثم قال: { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْحُبُكِ * إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ } أي: ورب السماء ذات الخلق الحسن.
فقال ابن عباس: ذات الحبك: هو حسنها واستواؤها.
وقال أبو مالك: وأبو صالح وعكرمة ذات الحبك: ذات الخلق الحسن.
وقال الحسن: ذات النجوم. قال: حُبِكَتْ بالخَلقِ الحَسَنِ: حُبِكَتْ بِالنُّجُومِ.
وقال أبو عبيدة: ذات الحبك: ذات الطرائق، يقال للرمل والماء إذا ضربتهما الريح فصارت فيهما طرائق حبائك.
قال الأخفش: واحد الحُبُك: حِبَاك.
وقال الكسائي والفراء: يقال حِبَاك وَحَبِيكة، ويقال لِتَكَسُّرِ الشَّعر الجعد حُبُكٌ، وحباك الحمام: طرائق على جناحيه، وطرائق الماء حُبُكه.
قال ابن جبير: ذات الحبك: ذات الزينة.
وروى البكالي عن عبد الله بن عمر والسماء ذات الحبك: قال: هي السماء السابعة.
وجواب القسم قوله: { إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ }، (أي: منكم مصدق بهذا القرآن مكذب به).
قال الحسن: { لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ }: (أي: في أمر النبي صلى الله عليه وسلم).
قال (ابن زيد): اختلافهم أن بعضهم يقول هو سحر، وبعضهم يقول غير ذلك.
ثم قال: { يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ } أي: يصرف عن الإيمان بهذا القرآن من صرف عنه في اللوح المحفوظ. قاله الحسن.
وقيل: معناه يصرف عن الإيمان ناساً / إذا أرادوه بقولهم وكذِبِهم من صُرِف؛ لأنهم يقولون لمن أراد الإيمان هو سحر وكهانة، فيصرف عن الإيمان.
ثم قال: { قُتِلَ ٱلْخَرَّاصُونَ }.
قال ابن عباس: معناه لعن المرتابون.
قال ابن زيد: قتل الخراصون يخرصون الكذب، يقولون شاعر ساحر وكهانة، وأساطير الأولين اكتتبها.
قال مجاهد: معناه قتل الخراصون الذين يقولون لسنا نبعث.
وقال الفراء: معناه: لعن الكاذبون الذين يقولون محمد مجنون وساحر شاعر كذاب يخترصون ما لا يعلمون.
ولا يعرف أهل اللغة "قُتِل" بمعنى "لُعِن" ومعناه على قول سيبويه والخليل وغيرهما أن هؤلاء ممن يجب أن يدعا عليهم بالقتل على أيدي المؤمنين أو بعذاب من عند الله.
قال ابن عباس: عني به الكهانة.
ثم قال: { ٱلَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ } أي: هم في غمرة الضلالة، وغلبتها متمادون، وعن الحق ساهون لاهون.
قال مجاهد: { فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ }: قلوبهم في أكنة.
وقال أهل اللغة معناه: في تغطية الباطل والجهل غافلون.
ثم قال: { يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلدِّينِ } أي: يسألون متى يوم الجزاء والحساب على طريق الإنكار له، يعني به هؤلاء الخراصين الذين تقدمت صفتهم.
ثم قال: { يَوْمَ هُمْ عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ } أي: يعذبون.
قال الزجاج: "يوم هم" منصوب بإضمار فعل التقدير، يقع الجزاء في يوم هم على النار يعذبون. وعلى "بمعنى" في"، أي: في النار يعذبون، وحسن ذلك كما وقعت في "بمعنى"على" في قوله:
{ { وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ } [طه: 71] أي: على جذوع النخل وقيل "يوم هم" (في موضع رفع على البدل) من يوم الأول، لكنه بني على الفتح لأنه أضيف إضافة غير محضة.
وقيل بني لأنه أضيف إلى شيئين.
وقال سيبويه والخليل: ظروف الزمان غير متمكنة، فإذا أضيفت إلى غير معرب أو إلى جملة بنيت على الفتح.
ثم قال: { ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ } أي: يقال لهم: ذوقوا عذابكم هذا الذي كنتم به في الدنيا تستعجلون إنكاراً واستهزاء.
قال قتادة: يفتنون: ينضجون بالنار.
وقال سفيان: يحرقون.
قال المبرد: هو من فَتَنْتَ الذَّهَب والفِضَّة إذا أحْرَقْتَهُما لتَخْتَبرهما وتُخَلِّصهما. فالتقدير عند من قال هذا: يوم هم على النار يفتنون: يختبرون فيقال ما سلككم في سقر.
وعن ابن عباس: فتنتكم؛ أي: تكذيبكم، أي: عقاب تكذيبكم.
ثم قال: تعالى ذكره: { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } أي: إن الذين اتقوا ربهم بطاعته واجتناب معاصيه في الدنيا في بساتين وعيون ماء في الآخرة.
ثم قال: { آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ } أي: آخذين في الدنيا، وعاملين بما أفترضه عليهم ربهم من فرائضه وطاعته.
قال ابن عباس: آخذين ما أتاهم ربهم، قال: الفرائض.
وقيل معناه آخذين ما أتاهم ربهم في الجنة، وهو حال من المتقين في القولين جميعاً إلا أنك إذا جعلته في الجنة، كانت حالاً مقدرة.
ثم قال: { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ } أي: كانوا في الدنيا قبل دخولهم الجنة محسنين في أعمالهم الصالحة لأنفسهم.
وقال ابن عباس: { قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ } أي: قبل أن تفترض عليهم الفرائض.