التفاسير

< >
عرض

وَثَمُودَ فَمَآ أَبْقَىٰ
٥١
وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَىٰ
٥٢
وَٱلْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَىٰ
٥٣
فَغَشَّاهَا مَا غَشَّىٰ
٥٤
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكَ تَتَمَارَىٰ
٥٥
هَـٰذَا نَذِيرٌ مِّنَ ٱلنُّذُرِ ٱلأُوْلَىٰ
٥٦
أَزِفَتِ ٱلآزِفَةُ
٥٧
لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ كَاشِفَةٌ
٥٨
أَفَمِنْ هَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ
٥٩
وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ
٦٠
وَأَنتُمْ سَامِدُونَ
٦١
فَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ وَٱعْبُدُواْ
٦٢
-النجم

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله: { وَثَمُودَ فَمَآ أَبْقَىٰ } إلى آخر السورة الآيات.
أي: ولم يبق الله ثموداً ولكن أهلكهم بكفرهم.
ثم قال: { وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَىٰ } أي: ولم يبقَ الله قوم نوح من قبل عاد وثمود بل أهلكهم بكفرهم بربهم وظلمهم لأنفسهم.
قال قتادة: (لم يكن) قبيل من الناس هم أظلم وأطغى من قوم دعاهم نبي الله تعالى نوح إلى الإيمان ألف سنة إلا خمسين عاماً كلما هلك قرن نشأ قرن، حتى ذكر لنا أن الرجل كان يأخذ بيد ابنه ويأت به إلى نوح صلى الله عليه وسلم فيقول: يا بني لا تقبل من هذا فإنَّ أُبي مشى بي إلى هذا وأنا مثلك يومئذ وأوصاني بما أوصيتك [به] تتابعاً / على الضلالة وتكذيباً لأمر الله.
ثم قال: { وَٱلْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَىٰ } أي: والمقلوب أعلاها أهوى /، وهي سدوم قرية قوم لوط أمر الله جبريل فرفعها من الأرض السابعة بجناحه ثم أهواها مقلوبة. يقال: هوى إذا سقط، وأهواه غيره أسقطه.
قال مجاهد: رفعها جبريل صلى الله عليه وسلم إلى السماء ثم أهواها.
قال ابن زيد أهواها جبريل عليه السلام [ثم أتبعها تلك الصخر].
ثم قال: { فَغَشَّاهَا مَا غَشَّىٰ } أي: جلاها الله عز وجل بعد أن انقلبت بالحجارة المنضودة المسومة فأمطرها عليهم حجارة من سجيل.
قال قتادة: غشاها بصخر منضود، وفي قوله { مَا غَشَّىٰ } معنى التعظيم.
ثم قال: { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكَ تَتَمَارَىٰ } أي: فبأي نعم ربك يا ابن آدم أنعمها عليك تشك وترتاب وتجادل وهذا لمن شك وكذب.
ومن نصب المؤتفكة بأهوى (أجاز أن يبدأ بها) ومن نصبها على العطف على قوم نوح وثمود لم يبتدئ بها.
ثم قال: { هَـٰذَا نَذِيرٌ مِّنَ ٱلنُّذُرِ ٱلأُوْلَىٰ } أي: محمد نذير لقومه كما أنذرت الرسل من قبله قاله قتادة.
وقيل المعنى: محمد نذير من النذر الأولى في أم الكتاب.
وقال أبو مالك معناه: هذا الذي خوفتم به من القرآن في هذه السورة نذير لكم من النذر الأولى التي كانت في صحف إبراهيم وموسى، وهو اختيار الطبري.
ثم قال: { أَزِفَتِ ٱلآزِفَةُ } أي: دَنَت وقَرُبَت القيامة، يقال: أَزِفَ الأمر إذا دَنَا وقَرُبَ، وسميت القيامة بالأزفة لقربها.
ثم قال: { لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ كَاشِفَةٌ } أي: ليس تنكشف القيامة فتقوم إلا بإقامة الله إياها وكشفه لها من دون سواه من خلقه؛ لأنه لم يطلع عليها ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً.
وقيل: كاشفة. كما قيل:
{ { فَهَلْ تَرَىٰ لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ } [الحاقة: 8] أي: من بقاء.
والمعنى: ليس لها من دون الله كاشف لها.
وقيل "الهاء" للمبالغة، وكاشفة بمعنى كشف وتكون على القول الأولى بمعنى أنكشف.
ثم قال: { أَفَمِنْ هَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ } هذا خطاب لمشركي قريش؛ أي: أفمن هذا القرآن تعجبون مما نزل على محمد وتضحكون استهزاء به، ولا تبكون لما فيه من الوعيد لمن كفر به.
{ وَأَنتُمْ سَامِدُونَ } أي: لاهون عما فيه من العبر والتذكر، معرضون عن آياته، والإيمان به يقال: سمد يسمد: إذا لها.
وروى شعبة عن المغيرة عن إبراهيم { وَأَنتُمْ سَامِدُونَ } قال: القيام [قبل الإمام] إلى الصلاة.
وحكي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أنه دخل الصلاة فرأى الناس قياماً فقال ما لهم، أو قال ما شأنهم سامدين.
وقال ابن عباس: [سامدون] هو الغناء، وكانوا إذا سمعوا القرآن تغنوا وهي لغة أهل اليمن من خيبر يقولون: أسمد لنا (أي: تغنى لنا).
وقيل: سامدون: شامخون.
قال الضحاك كانوا يمرون على النبي صلى الله عليه وسلم شامخين، والشامخ المتكبر.
وعن ابن عباس: سامدون: لاهون. وقال قتادة: سامدون: غافلون.
وقال مجاهد: سامدون: معرضون، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم لما قرأ هذه الآية لم ير ضاحكاً ولا متبسماً [حتى مات].
ثم قال: { فَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ وَٱعْبُدُواْ } أي: اسجدوا لله في صلاتكم أيها الناس دون من سواه من الآلهة واعبدوه دون غيره.
(قال ابن عباس: سجد النبي صلى الله عليه وسلم بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس).
(وقال ابن مسعود: أول سورة نزلت فيها السجدة، والنجم، قال: فسجد النبي وسجد من خلفه إلا رجلاً رأيته أخذ تراباً فسجد عليه، فرأيته بعد ذلك قتل كافراً وهو أمية بن خلف).