التفاسير

< >
عرض

إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ
٤٥
وَكَانُواْ يُصِرُّونَ عَلَى ٱلْحِنثِ ٱلْعَظِيمِ
٤٦
وَكَانُواْ يِقُولُونَ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ
٤٧
أَوَ آبَآؤُنَا ٱلأَوَّلُونَ
٤٨
قُلْ إِنَّ ٱلأَوَّلِينَ وَٱلآخِرِينَ
٤٩
لَمَجْمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ
٥٠
ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا ٱلضِّآلُّونَ ٱلْمُكَذِّبُونَ
٥١
لأَكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ
٥٢
فَمَالِئُونَ مِنْهَا ٱلْبُطُونَ
٥٣
فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْحَمِيمِ
٥٤
فَشَارِبُونَ شُرْبَ ٱلْهِيمِ
٥٥
هَـٰذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ ٱلدِّينِ
٥٦
نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلاَ تُصَدِّقُونَ
٥٧
أَفَرَأَيْتُمْ مَّا تُمْنُونَ
٥٨
ءَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَم نَحْنُ ٱلْخَالِقُونَ
٥٩
نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ ٱلْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ
٦٠
عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَـٰلَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ
٦١
وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلأُولَىٰ فَلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ
٦٢
أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ
٦٣
ءَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ ٱلزَّارِعُونَ
٦٤
لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ
٦٥
إِنَّا لَمُغْرَمُونَ
٦٦
بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ
٦٧
أَفَرَءَيْتُمُ ٱلْمَآءَ ٱلَّذِي تَشْرَبُونَ
٦٨
ءَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ ٱلْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ ٱلْمُنزِلُونَ
٦٩
لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ
٧٠
-الواقعة

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله: { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ } إلى قوله: { فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ } الآيات.
أي إن أصحاب الشمال كانوا (قبل ذلك) في الدنيا منعمين بالحرام.
ثم قال: { وَكَانُواْ يُصِرُّونَ عَلَى ٱلْحِنثِ ٱلْعَظِيمِ } أي: يصرون على الشرك بالله، قال الضحاك وقتادة والفراء وغيرهم، أي: كانوا يتمادون عليه ولا يتوبون (سبحانه عما يصفون) منه، ولا يستغفرون من شركهم بالله عز وجل.
وقال مجاهد: { عَلَى ٱلْحِنثِ ٱلْعَظِيمِ } على الذنب العظيم، وقاله ابن زيد ثم فسره ابن زيد فقال هو الشرك.
وقيل هو قسمهم أن الله لا يبعث أحداً، ودل على ذلك قوله بعده { وَكَانُواْ يِقُولُونَ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ }.
(أنكروا البعث) فقيل لهم: { قُلْ إِنَّ ٱلأَوَّلِينَ وَٱلآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ }.
أي إنكم وأباؤكم ومن بعدكم، ومن قبل أبائكم لا بد من بعثكم يوم القيامة ومجازاتكم على أعمالكم.
ثم قال: { ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا ٱلضِّآلُّونَ ٱلْمُكَذِّبُونَ * لأَكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ }.
أي أنكم بعد البعث أيها الضالون عن الحق لأكلون من شجر جهنم، وهي الزقوم.
{ فَمَالِئُونَ مِنْهَا ٱلْبُطُونَ } أي: من الشجرة، أو من الشجر.
ثم قال: { فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْحَمِيمِ } أي: على الزقوم من الحميم، وهو الماء الذي قد بلغ في الحرارة.
{ فَشَارِبُونَ شُرْبَ ٱلْهِيمِ } / [الهيمُ جمع أهيم، وهي الإبل يصيبها داء فلا تروى من الماء، وقد قيل الهيم] جمع هائم وهائمة.
قال ابن عباس شرب الهيم: شرب الإبل العطاش.
وقال عكرمة هي الإبل المراض تمص الماء معا ولا تروى، وعنه أنها الإبل يأخذها العطش، فلا تزال تشرب حتى تهلك.
(وقال الضحاك) الهيم: الإبل العطاش تشرب فلا تروى يأخذها داء يقال له الهيام.
وقال ابن عباس الهيم: الهيام من الأرض يعني الرمل.
ثم قال: { هَـٰذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ ٱلدِّينِ } أي: هذا الذي وصف رزق هؤلاء يوم الجزاء.
ثم قال: { نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلاَ تُصَدِّقُونَ } أي: نحن خلقناكم يا مكذبون بالبعث، ولم تكونوا شيئاً، فهل لا تصدقون من أنشأكم أولاً، أنه ينشئكم آخرا.
ثم قال: { أَفَرَأَيْتُمْ مَّا تُمْنُونَ * ءَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَم نَحْنُ ٱلْخَالِقُونَ } أي: أفرأيتم أيها المكذبون بالبعث، المنكرون قدرة الله عز وجل على إحيائكم بعد موتكم هذه النطفة التي تمنون في أرحام نسائكم، يقال (أمنى ومنى، وأمنى): أكثر.
[{ ءَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ } أي: تخلقون ذلك المني حتى يصير فيه الروح].
{ أَم نَحْنُ ٱلْخَالِقُونَ }.
ثم قال: { نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ ٱلْمَوْتَ } أي: عجلناه على قوم وأخرناه عن قوم إلى وقت مسمى، أي: منكم قريب الأجل ومنكم بعيد الأجل.
{ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ } أي: في أجالكم لا يسبق متقدم فيتأخر، ولا متأخر فيتقدم، بل لا يتقدم أجل قبل وقته ولا يتأخر عن وقته.
ثم قال: { عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَـٰلَكُمْ }.
قال الطبري معناه: نحن قدرنا بينكم الموت على أن نبدل أمثالكم بعد موتكم فنحيي بأخرين من جنسكم.
وقيل التقدير: وما نحن بمسبوقين / على / أن نبدل أمثالكم، (أي إن أردنا) أن نبدل أمثالكم منكم لم يسبقنا إلى ذلك سابق.
وقوله: { وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ } في أي: خلق شاء.
وقيل: قردة وخنازير.
وقيل يخلق لهم أبداناً للبقاء، لأن هذه للفناء خلقت.
وقيل معناه في عالم لا تعلمون، أو في مكان لا تعلمون.
وقيل المعنى: وننشئكم في غير هذه الصور، فننشئ المؤمنين يوم القيامة في أحسن الصور وإن كانوا في الدنيا قبحاً، وننشئ الكافرين في أقبح الصور وإن كان في الدنيا نبلاً.
ثم قال: { وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلأُولَىٰ فَلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ } أي: ولقد علمتم الأحداث الأول، فلقد أحدثناكم ولم تكونوا شيئاً، فهلا تذكرون فتعلمون أن من فعل ذلك قادر على إنشاء آخر متى شاء.
وقال قتادة: ولقد علمتم النشأة الأولى (بعد خلق) آدم عليه السلام فلست تسأل أحداً من الناس إلا نبأك أن الله جل ذكره خلق آدم من طين.
ثم قال: { أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ * ءَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ ٱلزَّارِعُونَ }.
أي أفرأيتم أيها الناس الحرث الذي تحرثونه أنتم تنبتونه وتصيرونه زرعاً أم نحن نجعله كذلك.
وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"لا تقل زرعت لكن قل حرثت" ، ثم تلا أبو هريرة الآية.
ثم قال: { لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ / حُطَاماً } أي: لجعلنا الزرع هشيماً لا ينتفع به في مطعم ولا ثمر.
ثم قال: { فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ } أي: فظلتم تتعجبون مما نزل بكم وبزرعكم من المصيبة، قال ابن عباس ومجاهد وقتادة.
وقال عكرمة معناه فظلتم تلاومون بينكم في تفريطكم في طاعة ربكم بما نزل بكم.
وقال الحسن تفكهون: تندمون على ما سلف منكم من معصية الله جل وعز التي أوجبت عليكم العقوبة، وروي مثل ذلك أيضاً عن قتادة.
وقال ابن زيد تفكهون: تفجعون، ومعنى فظلتم: فأقمتم.
ثم قال: { إِنَّا لَمُغْرَمُونَ } أي: لمولع بنا، قاله عكرمة ومجاهد.
وعن مجاهد أيضاً لمغرمون: لملقون للشر.
وقيل معناه لمعذبون، والغرام عند العرب الهلاك والعذاب.
ثم قال: { بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ } أي: [مجدون لا حظ لنا].
وقال قتادة: معناه: محارفون.
ثم قال: { أَفَرَأَيْتُمُ ٱلْمَآءَ ٱلَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ ٱلْمُزْنِ } أي: أنتم أنزلتموه من السحاب إلى قرار الأرض، أم نحن المنزلون.
قال مجاهد: وقتادة وابن زيد المزن: السحاب.
وقال ابن عباس المزن: السماء والسحاب، وهو قول سفيان.
ثم قال: { لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً } أي: جعلنا الماء مراً مالحاً فلا تشربون منه ولا تنتفعون به في زروعكم وكرومكم.
{ فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ } أي: فهلا تشكرون الله على ما فعل بكم.