التفاسير

< >
عرض

مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ
١٢
عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ
١٣
أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ
١٤
إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ
١٥
سَنَسِمُهُ عَلَى ٱلْخُرْطُومِ
١٦
إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُواْ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ
١٧
وَلاَ يَسْتَثْنُونَ
١٨
فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَآئِمُونَ
١٩
فَأَصْبَحَتْ كَٱلصَّرِيمِ
٢٠
فَتَنَادَوْاْ مُصْبِحِينَ
٢١
أَنِ ٱغْدُواْ عَلَىٰ حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ
٢٢
فَٱنطَلَقُواْ وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ
٢٣
أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا ٱلْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِّسْكِينٌ
٢٤
وَغَدَوْاْ عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ
٢٥
فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوۤاْ إِنَّا لَضَآلُّونَ
٢٦
بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ
٢٧
قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ
٢٨
قَالُواْ سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ
٢٩
فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَلاَوَمُونَ
٣٠
قَالُواْ يٰوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ
٣١
عَسَىٰ رَبُّنَآ أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مِّنْهَآ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا رَاغِبُونَ
٣٢
كَذَلِكَ ٱلْعَذَابُ وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ
٣٣
-القلم

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

- قوله تعالى: { مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ } إلى قوله: { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ }.
أي: [بخيل] بالمال عن إخراجه في الحقوق، معتد على الناس في معاملته إياهم { أَثِيمٍ }: مأثوم في أعماله لمخالفته أمرَ رَبِّه.
وقيل: { أَثِيمٍ }: ذي إثم.
- قال تعالى: { عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ }.
- ثم قال تعالى: { أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ } { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ }.
أي: (أَلأَِنْ) كان صاحب مال وبنين تطيعه / على وجه التوبيخ لمن أطاعه، ثم أخبر عنه أنه يقول: إذا قرئت عليه آيات الله -: هي أساطير الأولين استهزاءً أو إنكاراً لها أن تكون من عند الله. "فَأَنْ" مفعول من أجله متعلقة بما بعدها أي: من أجل أنه ذو مال وبنين يقول:- { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ }.
ويجوز أن (تكون) أن "في موضع نصب متعلقة بقوله": { مَّشَّآءٍ بِنَمِيمٍ } { أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ }، (أي): يفعل ذلك لأنْ كان ذا مال وبنين، فهي أيضاً مفعول من أجله. هذا على قراءة من قرأ: "أن كان" بغير استفهام، ومن قرأه بالاستفهام فهو إنكار وتوبيخ "لمن يطيعه أيضاً، والمعنى: أَلأَِنْ كان هذا الحلاّف المهين (الهماز) المشاء بنميم القناع للخير، [المعتدي] الأثيم ذا مال وبنين، تطيعه؟!
ويحتمل أن يكون توبيخاً وتقريعاً لهذا الحلاف المهين.
والمعنى: أَلأَِنْ كان هذا الحلاف ذا مال وبنين يقول - إذا تتلى عليه آياتنا -: هي أساطير الأولين: فيحسن الابتداء بالاستفهام على هذا الوجه، ولا يحسن الابتداء: "بأن كان ذا مال" في الوجهين الأولين؛ لأنه متعلق بالمخاطب.
ومعنى { أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ }: أي: كتبهم وأخبارهم وهو جمع أسطورة.
- ثم قال تعالى: { سَنَسِمُهُ عَلَى ٱلْخُرْطُومِ * إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ... }.
قال ابن عباس: معناه: سنخطمه بالسيف فنجعل ذلك فيه سمة، أي: علامة، قال: وقد قاتل الذي نزلت فيه هذه الآية يوم بدر فخُطِم بالسيف في القتال.
وقال قتادة: هو شين لا يفارقه.
وروي عنه: شين على أنفه.
قال المبرد: الخرطوم من الإنسان الأنف. ومن السباع موضع الشفة.
والمعنى عنده: سَنَسِمُه على أنفه يوم القيامة بما يشوه خلفه وَيَعْرِفهُ بِهِ من شَهِدَه في القيامة أنه من أهل النار.
وقيل: معناه: سنعلق به عاراً وسبة حتى يكون (بمنزلة من وسم على أنفه).
وقيل: المعنى: سَنُسَوّد وجهه، فاستعير الأنف في موضع الوجه لأنه منه.
وقيل: الخرطوم هنا: الخمر.
- ثم قال تعالى: { إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُواْ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلاَ يَسْتَثْنُونَ }.
أي: إنا بلونا قريشاً، أي: امتحناهم كما امتحنا أصحاب الجنة، إذ حلفوا ليصرمن ثمرها إذا أصبحوا ولا يقولون: إن شاء الله.
قال عكرمة: هم أناس من الحبشة، كانت لأبيهم جنة، وكان يطعم المساكين (منها، فلما مات أبوهم قال بنوه: والله ما كان أبونا إلا أحمق حين يطعم المساكين)، فأقسموا لَيَصْرِمُنَّها مصبحين ولا يطعمون مسكيناً.
قال قتادة: كان أََبُوهُم يتصدق، وكان بنوه ينهونه عن الصدقة وكان يمسك قوت سنة، وينفق ويتصدق بالفضل، فلما مات أبوهم، غدوا عليها وقالوا: لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين.
[وقال] ابن عباس: كانوا (أهل) كتاب.
والصَّرْم في اللغة: القطع، وهو الجَذَاذ.
- ثم قال تعالى: { فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَآئِمُونَ }.
أي: فطرق جنتهم ليلاً أمر من الله فأصبحت الجنة كالليل المظلم. قاله ابن عباس.
وروي أن الله أرسل عليها ناراً فأحرقت الزرع.
وقيل: الصريم أرض باليمن يقال [لها] [ضروان] من صنعاء، على ستة أميال.
وقيل: (كالصريم) كالزرع الذي حُصِد.
ويقال: لِلَّيْلِ صَرِيمٌ، وللنهار صريم، لأن كل واحد ينصرم عن الآخر.
- ثم قال: { فَتَنَادَوْاْ مُصْبِحِينَ * أَنِ ٱغْدُواْ عَلَىٰ حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ }.
(أي): فنادى بعضهم بعضاً بعد الصباح أن اغدوا لحصاد زرعكم إن كنتم حاصدين له.
{ فَٱنطَلَقُواْ وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ }.
أي: فمضوا إلى حرثهم وهم يَتَسَارُّون بينهم في الخفاء، يقول بعضهم لبعض: لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين.
- ثم قال تعالى: { وَغَدَوْاْ عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ }.
أي: وغدوا إلى جنتهم على قدرة في أنفسهم [وَجِدٍ]. قاله مجاهد.
قال قتادة: غدا القوم وهم محردون إلى جنتهم قادرين عليها في أنفسهم.
قال ابن زيد: "على جد قادرين في أنفسهم".
وقيل: المعنى: { وَغَدَوْاْ عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ } [على] أمر أسَّسوه بينهم.
وقال الحسن: { عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ } أي: على حاجة وفاقة.
وقال سفيان { عَلَىٰ حَرْدٍ } "على حَنَقٍ".
وقال أبو عبيدة: { عَلَىٰ حَرْدٍ }: على منع. وقيل "على قصد".
ومعنى "قادرين" عند الفراء: أي: قد قدَّروا هذا [وبنوا] عليه.
وقيل: قادرين عند أنفسهم على ما دبروا من حصادها ومنع المساكين منها.
- ثم قال تعالى: { فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوۤاْ إِنَّا لَضَآلُّونَ }.
(أي): فلما رأوا جنتهم محترقاً حرثها أنكروها وظنوا أنهم غلطوا، فقال بعضهم لبعض: إنا لضالون الطريق إلى جنتنا، فقال من علم أنها جنتهم: بل نحن أيها القوم محرومون.
قال قتادة: { إِنَّا لَضَآلُّونَ } قد أخطأنا الطريق، ما هذه / جنتنا، فقال بعضهم ممن عرفها: { بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ } أي: قد حرمنا نفعها.
- ثم قال تعالى: { قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ }.
أي: قال لهم [أعدلهم] ألم أقل لكم، هلا تستثنون إذ قلتم لنصرمنها مصبحين، فتقولون إن شاء الله؟!
قال مجاهد: لولا تسبحون، أي: تستثنون، وكان التسبيح فيهم الاستثناء.
وأصل التسبيح في اللغة: التنزيه، فجعل قولهم "إن شاء الله" معناه تنزيه لله أن يكون شيء إلا بمشيئته.
وظاهر [الآية] [يدل] على التسبيح بعينه، إذ بعده { قَالُواْ سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ }.
أي: (ظالمين) في منعنا المساكين أن يأخذوا ما يجب علينا.
- ثم قال تعالى: { فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَلاَوَمُونَ }.
أي: فأقبل بعضهم يلوم بعضاً على تفريطهم في الاستثناء وإطعام المساكين.
- { قَالُواْ يٰوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ }.
قالوا: [تعال] يا ويل إلينا، فهذا وقت حضورك. وهذا شيء تقوله العرب عند الأمر العظيم: احضر يا ويل، فهذا من إبَّانك ووقتك.
- { إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ }.
أي معتدين مخالفين أمر الله. فندموا على ما فعلوا فأبدلهم الله خيراً منها.
(يقال): إن التي أبدلوا الطائف اقتلعها جبريل عليه السلام من الأردن، وطاف بها حول البيت، ثم أنزلها في وادي ثقيف.
- ثم قال { عَسَىٰ رَبُّنَآ أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مِّنْهَآ... }.
أي: عسى (ربنا) أن يعطينا بتوبتنا خيراً من جنتنا.
- { إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا رَاغِبُونَ }. في ذلك.
- ثم قال تعالى: { كَذَلِكَ ٱلْعَذَابُ... }.
أي: كفعلنا بجنة هؤلاء فعلنا بمن كفر وخالف أمرنا في عاجل الدنيا.
- { وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ... }.
عقوبة لمن عصى الله.
{ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ }.
(أي لو كانوا يعلمون) أن عقوبة الآخرة أعظم من عقوبة الدنيا.