التفاسير

< >
عرض

فَلَيْسَ لَهُ ٱلْيَوْمَ هَا هُنَا حَمِيمٌ
٣٥
وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ
٣٦
لاَّ يَأْكُلُهُ إِلاَّ ٱلْخَاطِئُونَ
٣٧
فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ
٣٨
وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ
٣٩
إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ
٤٠
وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ
٤١
وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ
٤٢
تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ
٤٣
وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ ٱلأَقَاوِيلِ
٤٤
لأَخَذْنَا مِنْهُ بِٱلْيَمِينِ
٤٥
ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ ٱلْوَتِينَ
٤٦
فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ
٤٧
وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ
٤٨
وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُمْ مُّكَذِّبِينَ
٤٩
وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ
٥٠
وَإِنَّهُ لَحَقُّ ٱلْيَقِينِ
٥١
فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ
٥٢
-الحاقة

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

- قوله تعالى: { فَلَيْسَ لَهُ ٱلْيَوْمَ هَا هُنَا حَمِيمٌ } إلى آخر السورة.
أي: فليس لهذا الكافر - يوم القيامة - قريب ولا صديق ينجيه من عذاب الله. وقيل: المعنى: ليس له في جهنم ماء حار ولا طعام ينتفع به، قاله قطرب.
وقيل: معناه: ليس له في جهنم طعام إلا من غسلين، أي: من صديد أهل النار، وذلك ما يسيل من صديدهم. وقال بعض أهل اللغة: كل جرح غسلته فخرج منه شيء فهو غسلين، وهو "فعلين" من الغسل. قال ابن عباس: غسلين "صديد أهل النار". وقال قتادة: غسلين "شر الطعام وأخبثه وأبشعه". وقال ابن زيد: "الغسلين والزقوم لا يعلم أحد ما هو".
فأما، قوله تعالى في موضع آخر:
{ لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ } [الغاشية: 6] فقد قيل: إن الغسلين من الضريع كما تقول: ما لي طعام إلا الرطب، ما لي طعام (إلا) النخل.
- ثم قال { لاَّ يَأْكُلُهُ إِلاَّ ٱلْخَاطِئُونَ }.
أي: لا يأكل الطعام الذي من غسلين إلا الخاطئون (أي): المذنبون [الذين] ذنوبهم كفر بالله.
- ثم قال: { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * [وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ] }.
أي: أقسم [بذلك]، (و "لا" زائدة. وقيل: "لا" رَدٌّ لكلامهم. وَالمعنى: مَا الأمر كما تقولون معشرَ أهل التكذيب بكتاب الله ورسوله، ثم ابتدأ فقال: أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون، أي: أقسم بالأشياء كلها - أي بربها - إن القرآن { لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ }.
أي: كريم على ربه وهو محمد صلى الله عليه وسلم يقرأه ويتلوه عليكم. وقيل: هو جبريل عليه السلام.
- ثم قال: { وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ }.
أي: وما القرآن بقول شاعر، لأن محمداً لا يحسن قول الشعر فتقولون هو شاعر، قليلا إيمانكم، أي إيماناً قليلاً إيمانكم أو وقتاً قليلاً. وهذا كله خطاب من الله جل ذكره لمشركي قريش.
- ثم قال: { وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ }.
أي: وليس هذا القرآن بقول كاهن فيقولون هو من سجع الكهان، قليلاً ما يَعتبرون و [يَذكرون] به.
- ثم قال: { تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ }.
أي: هو تنزيل من رب العالمين تنزل به جبريل على محمد عليه السلام. وقيل: التقدير: لكنه تنزيل من رب العالمين.
- ثم قال تعالى: { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ ٱلأَقَاوِيلِ }.
أي: لو قال محمد من عند نفسه بعض ما جاءكم به وتَخَرَّصَ علينا.
{ لأَخَذْنَا مِنْهُ بِٱلْيَمِينِ }.
قال ابن عباس: باليمين: بالقوة. (وقيل باليمين): باليد اليمنى، أي: كنا نذله [ونهينه] كما يقول الملك لمن يريد إِذْلاَلَهُ: "خذوا بيده" فاليد هنا في موضع الإهانة. قال إبراهيم بن عرفة: معناه: لأخذنا بيمينه، أي لقبضناها، فمعناه: التصرف. فالمعنى لأخذنا بيمينه ولقطعنا [وتينه]، وهو نياط القلب، لا حياة بعد انقطاعه.
- ثم قال تعالى: { (ثُمَّ) لَقَطَعْنَا مِنْهُ ٱلْوَتِينَ }.
قال ابن عباس: "الوتين: نياط القلب"، وعنه: "عرق القلب". وقال مجاهد: هو "حبل القلب الذي في الظهر"، وهو قول قتادة. وقال الضحاك: هو "عرق يكون في القلب، فإذا قطع مات الإنسان". وقال ابن زيد: (هو) "نياط القلب الذي القلب متعلق به"، وهو قول ابن جبير.
والمعنى في الآية: لو كذب علينا ما لم نقل لأهلكناه، فكان بمنزلة من قطع وتينه فلم يعش.
- ثم قال تعالى: { فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ }.
أي: فما منكم - أيها الناس - أحد عن محمد صلى الله عليه وسلم يحجزنا إذا أردنا هلاكه وعقوبته. وجمع "حَاجِزِينَ" على معنى "أحد".
- ثم قال: { وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ }.
أي: وَإِنَّ هذا القرآن لتذكرة وعظة [يتعظ] بها المتقون، وهم الذين اتقوا الله بأداء فرائضه واجتناب محارمه.
- ثم قال: { وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُمْ مُّكَذِّبِينَ }.
أي (مكذبين) بهذا القرآن.
- ثم قال: { وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ }.
أي: وإن التكذيب لحسرة وندامة على الكافرين يوم القيامة.
- ثم قال تعالى: { وَإِنَّهُ لَحَقُّ ٱلْيَقِينِ }.
(أي): وإن هذا القرآن لمحض اليقين [و] خالصه، أنه من عند الله لم يتقوله (محمد) من عند نفسه وهذا من إضافة الشيء إلى نفسه عند الكوفيين، وأصله عندهم: "الحق اليقين" على النعت، ثم أضيف (المنعوت) إلى نعته، والنعت هو المنعوت في المعنى، فقد صار من إضافة الشيء إلى نفسه.
- ثم قال تعالى: { فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ }.
أي: فسبح بذكر ربك - (يا محمد) -، { ٱلْعَظِيمِ } (أي) الذي كل شيء في عظمته صغير.