تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه
قوله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَٰهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي}، الآية.
{مُرْسَٰهَا}: مبتدأ، و {أَيَّانَ}: الخبر.
والمعنى على قول قتادة: أن قريشاً قالت للنبي (صلى الله عليه وسلم)، إنَّ بيننا وبينك قرابة، فأسِرّ إلينا متى الساعة! فنزلت الآية.
وقال ابن عباس: أتى قوم من اليهود إلى النبي (صلى الله عليه وسلم)، فقالوا له: أخبرنا متى الساعة إن كنت نبياً؟ أي: متى قيامها؟
و {مُرْسَٰهَا} من: أَرْسَيْتُ، إذ أثبت. يقال: رست: إذا ثبت. وأرسيتها: أثبتها.
قال الله، (عز وجل)، لنبيه (عليه السلام)، {قُلْ} يا محمد: {إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا}، أي: [لا] يظهرها ويقيمها لوقتها إلا الله، (عز وجل). / يقال: جَلَّى فلان الأمر، إذَا كَشَفَهُ وَأَوْضَحَهُ وَأَظْهَرَهُ.
{ثَقُلَتْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ}.
أي: ثقل على أهل السموات والأرض أن يَعْلَمُوا وَقْتَ قِيَامِهَا.
قال السدي المعنى: خفيت في السموات والأرض، فلا يعلم قيامها مَلَكٌ مُقَرَّب وَلاَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ.
وقيل المعنى: ثقل علمها عليهم.
وقيل المعنى: كَبُرت عند مجيئها على أهل السموات والأرض.
قاله الحسن.
وقال ابن جريج: {ثَقُلَتْ}، معناه: إذا جاءت انشقت السماء، وانتثرت الكواكب، وكُوِّرت الشمس، وسيِّرت الجبال، وكان ما قال الله، (عز وجل). فذلك ثِقَلُها.
وحكى السدي عن بعض العلماء: {ثَقُلَتْ}: عَظُمَتْ.
وقيل المعنى: {ثَقُلَتْ} المسألة عنها.
وقال القُتَيْبِي: ثقل علمها على أهل السموات والأرض، أي: خَفِيَ. وَإِذَا خَفِيَ الشَّيْءُ ثَقُلَ.
{لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً}.
أي: فجأة.
قال قتادة: ذُكِرَ لنا أن نبي الله [عليه السلام]، كان يقول: "إِنَّ السَّاعَةَ تَهِيجُ النَّاسَ، والرَّجُلُ يُصْلِحُ حَوْضِهُ، والرَّجُلَ يَسْقِي مَاشِيَتَهُ، والرَّجُل يُقِيمُ سِلْعَتَهُ في السُّوْقِ، وَيَخْفِضُ مِيزَانُهُ وَيَرْفَعُهُ" .
وروى أبو هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "تَقُوْمُ السَّاعَةُ والرَّجُلاَنِ قَدْ نَشَرا ثَوْبَهُمَا يبيعانه فما يطويانه حتى تقوم الساعة، وتقوم الساعة والرجل قد رفع أكلته إلى فِيهِ فما تصل إلى فِيهِ حتى تقوم الساعة" .
ثم قال: {يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا}.
أي: يسألونك عنها {كَأَنَّكَ حَفِيٌّ} بهم، أي: فرحٌ بسؤالهم.
وقال ابن عباس: {كَأَنَّكَ} بينك وبينهم مودة، أي: {كَأَنَّكَ} صديق لهم.
قال قتادة: قالوا له: نحن أقرباؤك، فأسِرَّ لنا متى (تقوم) الساعة؟ فأنزل الله، تعالى، {يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ}، (أي): بهم.
وقيل: إنَّ الكَلاَمَ لاَ تَقْدِيمَ فِيهِ وَلاَ تَأْخِيرَ. والمعنى: يسئلونك {كَأَنَّكَ} استحفيت المسألة عنها فعلمتها. قاله مجاهد.
وقال الضحاك: {كَأَنَّكَ} عالم بها.
فـ "عن" في مَوضِعِ "الباء". كما جاز أن تقع "الباءُ" في موضع "عَنْ" في قوله: { فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً } [الفرقان: 59]، أي: عنه.
وقيل المعنى: {كَأَنَّكَ} فَرِحٌ بسؤالهم. يقال: حفيت بفلان في المسألة، إذا سألته عنه سؤالاً أظهرت فيه المحبة. وأحفى فلان بفلان في المسألة، تأويله الكثرة. ويقال: حفى الدابة يحفى حفىً مقصورٌ، إذا أكثرت عليه المشي حتى حفى أسفل رجله. والحَفَاءُ، ممدود: مشي الرَّجُل بغير نعل.
وقدره المبرد: {كَأَنَّكَ حَفِيٌّ} بالمسألة {عَنْهَا}، أي: مُلحّ، ومكثر السؤال عنها.
وقوله: {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي}.
أي: علم وقوعها.
وقوله: {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ}.
أي: علم كنهها وحقيقتها.
فـ "العِلْمَانِ": مختلفان، وليس ذلك بتكرير.
وقرأ ابن عباس: "حَفيٌّ بِهَا".
{إِلاَّ هُوَ}، وقف.
{عَنْهَا}، وقف، على القولين جميعاً.