قوله: { وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ }، إلى { يَفْتَرُونَ }.
لام: "لقد" حيث وقعت لام توكيد، متعلق بمعنى القسم، والمعنى: والله أقسم لقد كان هكذا.
و: "الكتاب" [هو]: القرآن.
و: { فَصَّلْنَاهُ }: بيناه.
{ عَلَىٰ عِلْمٍ }.
أي: على علم منا بالميز بين الحق والباطل والضلال والهدى.
{ هُدًى وَرَحْمَةً }.
أي: ليُهْتَدَى [وَيُرْحَم] به قوم يصدقون به.
وهذه الآية مردودة على قوله: { كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ } [الأعراف: 2].
قوله: { أَوْ نُرَدُّ }، معطوف على [قوله]: { مِن شُفَعَآءَ }، أي: أو هل نرد.
وقرأ ابن أبي إسحاق: "أو نُردَّ"، بالنصب، على معنى: إلا أن نرد، كما قال:
.... أَوْ نَمُوتَ فَنُعْذَرَا
وقوله: { فَنَعْمَلَ }، جواب لقوله: { أَوْ نُرَدُّ }، أو عطف عليه، على قراءة من نصب ("نرد").
وقرأ الحسن: "أو نرد فَنَعْمَلُ"، بالرفع فيهما، على (لفظ) العطف على "نُرَدُّ". ورفع "نرد" على الاستفهام كما ذكرنا.
وقوله، { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ }.
/ أي: إلا ما وعدوا به في القرآن من العذاب.
و { يَنظُرُونَ }، بمعنى: ينتظرون.
قال قتادة: { تَأْوِيلَهُ }، عاقبته.
وقال مجاهد: جزاءه.
{ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ }، أي: جزاؤه، { يَقُولُ ٱلَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ }، أي: تركوه في الدنيا، { قَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ }.
وقال ابن زيد: { تَأْوِيلُهُ }، حقيقته، أي: حقيقة القرآن فيما أوعدهم من العقاب.
قال السدي: { ٱلَّذِينَ نَسُوهُ }، تركوه في الدنيا، لما رأوا ما أوعدهم أنبياؤهم، استيقنوا بالهلاك، وطلبوا الشفعاء والرجعة إلى الدنيا.
{ قَدْ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ }.
أي: غَبَنوا أنفسهم حظوظها ببيعهم ما ذكر لهم من نعيم الآخرة الدائم بالخسيس من عرض الدنيا الزائل.
{ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }.
أي: أولياؤهم في الدنيا.
وقال بعض أهل اللغة معناه: هل ينظرون إلى ما يؤول إليه أمرهم من البعث، وعلى هذا تأولوا قول الله: { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ } [آل عمران: 7] أي: لا يعلم وقت البعث إلا الله، ثم قال تعالى: { وَٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ }.
و "النسيان" في هذا الموضع على معنيين:
- يجوز أن يكون معناه: فلما أعرضوا عنه صاروا بمنزلة من نسي الشيء.
- والثاني: أن يكون بمعنى الترك.