تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه
- قوله: { قُلْ إِنَّمَآ أَدْعُواْ رَبِّي... } إلى آخر السورة.
أي: قال محمد صلى الله عليه وسلم، " لما تظاهرت على إنكار ما جاء به العرب، إنما أدعو ربي وأوحده ولا أشرك به" وهذا يدل على أن معنى { كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً } أنه لما قام محمد صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الله تراكبت العرب (عليه).
وتظافرت ليردوا قوله ويُطفئوا النور الذي جاء فقال لهم: { قُلْ إِنَّمَآ أَدْعُواْ رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً }. ومن قرأ (قل) جعله على الأمر من الله لنبيه، أي: قل لهؤلاء الذين تظاهروا عليك لما دعوتهم إلى التوحيد: إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا.
- (ثم قال تعالى: { قُلْ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ رَشَداً }.
أي: قل يا محمد لمشركي العرب الذين ردوا عليك أني لا أملك [لكم] ضراً في دينكم ولا دنياكم، ولا أملك لكم رشدكم، إنما ذلك إلى الله).
- ثم قال: { قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ ٱللَّهِ أَحَدٌ... }.
أي: لن يمنعني من الله أحد إن أرادني بأمر.
وروي أن بعض الجن قال: أنا أجيره، فنزلت هذه الآية ونزلت { وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً } أي: لا ملجأ ولا ناصراً ألجأ إليه.
- ثم قال: { إِلاَّ بَلاَغاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِسَالاَتِهِ /... }.
أي: لا أملك لكم ضراً ولا رشداً { إِلاَّ بَلاَغاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِسَالاَتِهِ } أي: أملك إلا أن أبلغكم عن الله رسالاته التي أرسلني بها إليكم فأما الرشد والخذلان فبيد الله.
وقيل [إلا] بمعنى "لم" و "إن" منفصلة، والتقدير: قل إني لن يجيرني من الله أحد [إن] لم أبلغ رسالاته إليكم بلاغاً، فَيَنْتَصب بلاغاً بإضمار (فعل من الجزاء وتكون للجزاء كما تقول: إلا قياماً) فقعوداً، وإلا عطاءً فرداً جميلاً.
- ثم قال: { وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً }.
أي: من يعصهما فيما أمَرا به فإن له نار جهنم في الآخرة ماكثين فيها أبداً لا يخرجون ولا يموتون.
- ثم قال: { حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ... }.
أي: إذا عاينوا ما يعدهم ربهم من العذاب { فَسَيَعْلَمُونَ } هنالك { مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً }.
- ثم قال: { قُلْ إِنْ أَدْرِيۤ أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ... }.
أي: قل للمشركين يا محمد -: ما أدري أقريب قيام الساعة التي وعدكم [الله] بالجزاء فيها على أعمالكم.
{ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّيۤ أَمَداً }.
(أي): أم هو غير قريب قد جعل له ربي وقتا وغاية تطول مدتها.
- ثم قال: { عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ... }.
أي: ما غاب عن العيون والأسماع.
{ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَداً }.
أي: يعلم غيب كل شيء ولا يعلم غيبه أحد.
- { إِلاَّ مَنِ ٱرْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ... }.
أي: فإنه يطلعه من غيبه على ما شاء وقيل: الغيب الذي يطلع الرسل عليه كتبه التي أنزلها عليهم.
وقال الضحاك: كان صلى الله عليه وسلم، إذا بعث إليه الملك بُعِث ملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه لئلا يشتبه عليه الشيطان في صورة الملك فهو معنى قوله: { فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً }، وقاله النخعي. وقال ابن عباس: هي معقبات من الملائكة يحفظون النبي من الشياطين حتى يتبين له الذي أرسل به إليه.
- ثم قال { لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رِسَالاَتِ رَبِّهِمْ... }.
أي: ليعلم أهل الشرك أن الرسل بلغوا إليهم رسالة ربهم.
وقيل: المعنى: ليعلم [الرسول] وهو محمد أن الرسل قبله قد بلغوا رسالات ربهم لقومهم ولم يكن للشيطان إليهم سبيل، وهو قول قتادة، وقال مجاهد: ليعلم من كذب الرسل أن قد أبلغ الرسل رسالة ربهم.
وقال: معمر: معناه: ليعلم محمد أن الرسل قد أبلغت عن الله وأن الله حَفِظها ودفع عنها. وهو مثل قول قتادة. وقال ابن جبير: معناه: ليعلم محمد أن الملائكة قد أبلغوا رسالات ربهم. قال: وما نزل جبريل بشيء من الوحي إلا ومعه أربعة حفظة من الملائكة. ودل على ذلك قوله قبل ذلك { فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً } قال ابن جبير: أربعة حفظة من الملائكة مع جبريل عليه السلام.
وقيل معنى الآية: ليعلم الله ذلك علماً مشاهداً تجب عليه المُجازاة فأما الغيب فقد علمه، كقوله { وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [آل عمران: 140].
- وقوله: { وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ... }.
أي: وعلم كل ما عندهم يعني الرسل قبل محمد، قال ابن جبير معناه ليعلم الرسل أن ربهم قد أحاط بهم فيبلغوا رسالات ربهم.
- ثم قال: { وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً }.
أي: وعلم عدد كل شيء، [و{ عَدَداً }] منصوب على التمييز.