التفاسير

< >
عرض

هَـٰذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ
٣٥
وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ
٣٦
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ
٣٧
هَـٰذَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ جَمَعْنَٰكُمْ وَٱلأَوَّلِينَ
٣٨
فَإِن كَانَ لَكمُ كَيْدٌ فَكِيدُونِ
٣٩
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ
٤٠
إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي ظِلاَلٍ وَعُيُونٍ
٤١
وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ
٤٢
كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيـۤئاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
٤٣
إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ
٤٤
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ
٤٥
كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُّجْرِمُونَ
٤٦
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ
٤٧
وَإذَا قِيلَ لَهُمُ ٱرْكَعُواْ لاَ يَرْكَعُونَ
٤٨
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ
٤٩
فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ
٥٠
-المرسلات

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

- قوله تعالى: { هَـٰذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ }، إلى آخر السورة.
أي: هذا يوم لا ينطق فيه أهل التكذيب بثواب الله وعقابه، وذلك في موطن دون موطن. ودليله: قوله - حكاية عنهم -
{ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا (مِنْهَا) } [المؤمنون: 107] { رَبَّنَآ أَمَتَّنَا ٱثْنَتَيْنِ } [غافر: 11].
وشبهه.
- ثم قال تعالى: { وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ }.
أي: مما كسبوا في الدنيا من المعاصي.
وقال ابن عباس: يوم القيامة أوقات، فوقت لا ينطقون فيه، وذلك عند (أول) نفخة، يريد: كل هول. وقيل: المعنى لا ينطقون فيه بحجة لهم. تقول العرب لمن أحتج بما / لا حجة فيه: ما جئت بشيء، ولا نطقت بشيء، أي: هم بمنزلة من لا ينطق، إذ لا ينتفعون بمنطقهم. ومثله في هذا المعنى قوله:
{ صُمٌّ بُكْمٌ (عُمْيٌ) } [البقرة: 18]، أي: هم بمنزلة من هو هكذا.
وقد استدل بعض أهل النظر على أنه يراد به بعض أوقات اليوم دون بعض [بإضافة] اليوم إلى الفعل.
قال: والعرب لا تضيف اليوم إلى "فعل" و "يفعل" (إلا) إذا [أرادت] الساعة من اليوم، تقول: آتيك يوم يقدم فلان، وأراك يوم يقدم.
والمعنى: ساعة يقدم، لأنه لا يتمكن أن يكون إتيانه اليوم كله.
- ثم قال تعالى: { هَـٰذَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ جَمَعْنَٰكُمْ وَٱلأَوَّلِينَ }.
أي: يقال [لهؤلاء المكذبين بالله ورسله: هذا يوم يفصل الله فيه بين خلقه بالحق، [جعلناكم فيه] لموعدكم الذي كنا نعدكموه في الدنيا، وجمعنا الأولين معكم ممن كان قبلكم من الأمم الماضية والقرون العافية.
- { فَإِن كَانَ لَكمُ كَيْدٌ فَكِيدُونِ }.
أي: فإن كان لكم كلكم اليوم حيلة تحتالون بها في التخلص من العقاب، فاحتالوا بها ولن تجدوا إلى ذلك سبيلاً.
- { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ }.
أي: للمكذبين بهذا الخبر.
- ثم قال: { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي ظِلاَلٍ وَعُيُونٍ }.
أي: إن الذين اتقوا الله بأداء فرائضه وطاعته في الدنيا { فِي ظِلاَلٍ }، لا يصيبهم حر ولا قُرٌّ { وَعُيُونٍ }، أي: وأنهار تجري في خلال أشجار جناتهم.
- { وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ }.
أي: يأكلون منها متى اشتهوا لا يخافون ضرها ولا عاقبة مكروهها.
- { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيـۤئاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }.
أي: يقال لهم ذلك، أي كلوا من الفواكه، واشربوا [من] العيون هنيئاً [بما كنتم تعملون].
لا تكدير عليكم، ولا تنغيص في ذلك جزاء لكم بأعمالكم الصالحات في الدنيا وطاعتكم.
وقيل: معناه: هنيئاً لكم، لا تموتون.
- ثم قال تعالى: { إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ }.
أي: كما جزينا هؤلاء المتقين بما ذكرنا، كذلك نجزي من أحسن إلى نفسه فأطاع الله واجتنب معاصيه [وأدى] فرائضه.
- ثم قال تعالى: { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ }.
أي: للمكذبين بما أخبر الله من جزائه المتقين في الآخرة.
ثم قال تعالى: { كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُّجْرِمُونَ }.
هذا وعيد وتهديد للمشركين المكذبين بما ذكره الله في هذه السورة وغيرها من مجازاته للمتقين وانتقامه من المكذبين، أي: كلوا في بقية آجالكم أيها المكذبون، وتمتعوا بقية أعماركم.
{ إِنَّكُمْ مُّجْرِمُونَ } أي: مكتسبون لما فيه عطبكم وهلاككم كما فعل من كان قبلكم من الأمم المكذبة. قال ابن زيد: عنى بذلك أهل الكفر. وقيل: إن { كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ } [يرجع] إلى أول الكلام في قوله: { جَمَعْنَٰكُمْ وَٱلأَوَّلِينَ * فَإِن كَانَ لَكمُ كَيْدٌ فَكِيدُونِ } { كُلُواْ }.
- ثم قال تعالى: { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ }.
(أي للمكذبين) [بخبر] الله عن البعث والجزاء.
- ثم قال تعالى: { وَإذَا قِيلَ لَهُمُ ٱرْكَعُواْ لاَ يَرْكَعُونَ }.
قال ابن عباس: "هذا يوم القيامة، يدعون إلى السجود فلا يستطيعون السجود من أجل أنهم لم يكونوا يسجدون لله في الدنيا".
وقال قتادة: ذلك في الدنيا، كانوا يمتنعون من السجود (لله).
ورأى ابن مسعود رجلاً يصلي ولا يركع، وآخر يجر إزاره، فضحك، فقالوا: ما أضحكك؟! قال: أضحكني رجلان، أما أحدهما فلا تقبل له صلاة، وأما الآخر فلا ينظر الله إليه.
وقيل: عني بالركوع هنا الصلاة، قاله مجاهد.
- ثم قال تعالى: { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ }.
أي: الذين كذبوا رسل الله فردوا عليهم فيما بلغوهم عن الله.
- ثم قال تعالى: { فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ }.
أي: بعد القرآن إذ كذبوا به، فبأي شيء يؤمنون بعده إيماناً ينتفعون به؟!