التفاسير

< >
عرض

عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ
١
عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ
٢
ٱلَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ
٣
كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ
٤
ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ
٥
أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ مِهَٰداً
٦
وَٱلْجِبَالَ أَوْتَاداً
٧
وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً
٨
وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً
٩
وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ لِبَاساً
١٠
وَجَعَلْنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشاً
١١
وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً
١٢
وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً
١٣
وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلْمُعْصِرَاتِ مَآءً ثَجَّاجاً
١٤
-النبأ

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

- قوله تعالى: { عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ * عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ }، إلى قوله: { (مَآءً) ثَجَّاجاً }.
أي: عن أي شيء يتساءل هؤلاء [المشركون] يا محمد؟، عن أي شيء يختصمون؟
فـ { عَمَّ } تحتاج إلى جواب، وجوابه { عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ }، وكان حقه أن يأتي الجواب من المسؤول، ولكن دل عليه / { عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ } وقام مقامه، وهو جواب لجوابهم، كأنهم قالوا: عم نتساءل؟ سألوا الجواب من السائل لهم، فقيل لهم: { عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ }.
ذكر أن قريشاً كانت تختصم فيما بينها [وتتجادل] في الذي دعاهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإيمان بكتاب الله، فنزل هذا في اختصامهم. ثم بين - جل ذكره - ما الذي هم فيه يختصمون، فقال: { عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ } (أي: يتساءلون عن النبأ)، ثم حذف لدلالة الأول [عليه]، فتقف على هذا على { يَتَسَآءَلُونَ }. وقيل: [إن "عن"] متعلقة بهذا الفعل الظاهر.
والمعنى: لأي شيء يتساءل هؤلاء عن النبأ العظيم.
فلا تقف على هذا على { يَتَسَآءَلُونَ }.
فأما النبأ، فقال مجاهد: "هو القرآن". وقال: قتادة: "هو البعث بعد الموت".
وقال ابن زيد: هو "يوم القيامة".
- ثم قال: { ٱلَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ }.
أي: منهم مصدق و [منهم] مكذب، إما بالقرآن وإما بالبعث.
قال قتادة: [صار] الناس [فرقتين] في البعث بعد الموت، (فمنهم مكذب)، ومنهم مصدق.
- ثم قال تعالى: { كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ }.
أي: ما الأمر كما يزعم هؤلاء أنه لا بعث. ثم قال: { سَيَعْلَمُونَ } على الوعيد والتهدد، أي: سيعلم (هؤلاء) المنكرون للبعث [وعيد] الله لهم أحق هو أم باطل.
ثم أكد الوعيد فقال: { ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ }.
أي: ثم ليس الأمر على ما [قالوا] إنه لا بعث، سيعلمون وعيد الله لهم أحق هو أم باطل.
ويجوز أن يكون "كلا" بمعنى "حَقّاً" في الموضعين، وبمعنى "أَلاَ".
وهذا التفسير إنما هو على قول من قال: إن [النبأ] العظيم: البعث ويوم القيامة.
فأما من قال هو القرآن فيكون معناه: كلا سيعلمون (عاقبة تكذيبهم لهذا القرآن ثم كلا سيعملون) ذلك على التأكيد والوعيد وتكون "كلا" بمعنى (حقاً) أو بمعنى "ألا"، ويجوز أن تكون [بمعنى "لا"]، أي: [لا، لا اختلاف] (في) القرآن، وهو قول نصير ولم يجزه أبو حاتم.
وقال الضحاك تقديره: كلا سيعلم الكافرون ثم كلا سيعلم المؤمنون. فالوقف [على { سَيَعْلَمُونَ }] الأول وعلى { سَيَعْلَمُونَ } الثاني.
والوقف عند أكثرهم على سيعلمون الثاني.
- ثم قال تعالى: { أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ مِهَٰداً * وَٱلْجِبَالَ أَوْتَاداً }.
أي: ألم أنعم عليكم أيها الخلق فجعلت لكم الأرض فراشاً تفترشونها، وجعلت الجبال أوتاداً للأرض أن تميد بكم؟!
- { وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً }.
- (أي) ذكراناً وإناثاً، وطوالاً وقصاراً؟!
- { وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً }.
أي: راحة (لكم ودعة تسكنون كأنكم أموات لا تشعرون؟! والسبات السكون)، وبذلك سمي السبت سبتاً لأنه يوم راحة ودعة.
- ثم قال تعالى: { وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ لِبَاساً }.
أي: غشاء لكم يتغشاكم سواده وتغطيكم ظلمته كما يغطي الثوب لابسه.
قال قتادة": { ٱلَّيلَ لِبَاساً } أي: "سكناً".
- ثم قال تعالى: { وَجَعَلْنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشاً }.
(سمي النهار معاشاً لما كان يطلب المعاش فيه. وتقديره: وجعلنا النهار ذا معاش.
قال مجاهد: { مَعَاشاً } أي: "تبتغون فيه من فضل الله".
- ثم قال تعالى: { وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً }.
يعني السبع سماوات. وسمي بناء على عادة العرب، لأنهم يقولون لسقف البيت سماء، ويقولون له بناء.
ومعنى "شداد" أي: وثاقاً محكمة الخلق، لا صدوع فيهن ولا فطور، ولا يبليهن [مر] الليالي والأيام عليهن.
- ثم قال تعالى: { وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً }.
(أي): شمساً وقادة مضيئة منيرة.
- قال تعالى: { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلْمُعْصِرَاتِ مَآءً ثَجَّاجاً }.
أي: من السحائب ماء منصباً يتبع بعضه بعضاً كثج [دماء].
البدن كذا قال ابن عباس ومجاهد والربيع: الثجاج المنصب.
وقال ابن زيد: الثجاج: الكثير.
وأكثرهم على أنه المُنْصَبُّ. وهو اختيار الطبري. ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم:
"أَفْضَلُ الْحَجِّ الْعَجُّ والْثَّجُّ" .
[فالعج] رفع الصوت بالتلبية، والثَّجُّ [صَبُّ] دماء الهدايا والبدنِ، قال ابن عباس: المعصرات "السحاب".
وهو قول سفيان والربيع. وقال الحسن وسعيد / بن جبير وقتادة: المعصرات: السماء.
وعن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة: المعصرات: الرياح، لأنها تعصر في هبوبها. و (هو) قول ابن زيد.
ويلزم قائل هذا أن تكون القراءة: "وأَنْزَلْنَا بِالمُعْصِرَاتِ"، وبذلك قرأه عكرمة.
والمُعْصِرُ: المرأة التي قد دنا [حيضها] وإن لم تحض، فشبهت السحاب بها [للمطر] الذي فيها.