التفاسير

< >
عرض

إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتْ
١
وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ
٢
وَإِذَا ٱلأَرْضُ مُدَّتْ
٣
وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ
٤
وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ
٥
يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ
٦
فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ
٧
فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً
٨
وَيَنقَلِبُ إِلَىٰ أَهْلِهِ مَسْرُوراً
٩
-الانشقاق

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

- قوله تعالى: { إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتْ }، إلى قوله: { (إِلَىٰ أَهْلِهِ) مَسْرُوراً }.
أي: إذا السماء تصدعت وتقطعت فكانت أبواباً.
قال الفراء: تنشق بالغمام.
- وقوله: { وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ }.
أي: وسمعت السماء (في) تصديعها وتشققها لربها فأطاعت له. والعرب تقول: أذِنَت إلى هذا الأمر آذنُ، بمعنى: استمعت. ومنه الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"ما أذِنَ الله لشيءٍ كأذَنِهِ لِنَبِيٍّ يَتَغنّى بالقرآن" . يعني: ما استمع الله لشيء كاستماعه لنبي يتغنى بالقرآن.
وقال ابن عباس: { وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا } أي: "سمعت لربها". وهو قول مجاهد وقتادة والضحاك وسفيان.
وقوله: { وَحُقَّتْ }، أي: وحقق الله عليها الاستماع لأمره بالانشقاق.
قال ابن عباس: { وَحُقَّتْ }، أي: وحقت بطاعة ربها.
وقال ابن جبير: { وَحُقَّتْ } أي: ويحق لها أن تسمع وتطيع.
وقاله أبو عبيدة.
- ثم قال تعالى: { وَإِذَا ٱلأَرْضُ مُدَّتْ }.
أي: بسطت فريد في سعتها.
وروى الزهري عن علي بن حسينٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"إذَا كَان يَومُ القِيَامَةِ مَدّ اللهُ - جَلّ ثَنَاءُهُ - الأرضَ مدَّ الأدِيمِ فلا يَكُونُ لِبَشَرٍ مِن بَنَي آدم فِيهَا إلاّ مَوضِعُ قَدَمِهِ..." .
- ثم قال تعالى: { وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا (وَتَخَلَّتْ) }.
أي: (وألقت الأرض) ما فيها من الموتى علقَ ظهرها وتخلت منهم (إلى الله جل) ذكره.
قال مجاهد: { (وَأَلْقَتْ) مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ }، أي: أخرجت ما فيها من الموتى".
وقال قتادة: "أخرجت (أثقالها) وما فيها".
- ثم قال تعالى: { وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ }.
أي: وسمعت الأرض أمر ربها في إلقائها ما في بطنها من الموتى على ظهرها وحققها الله للاستماع.
وقيل: معناه وحقّ لها أن تسمع أمره.
واختلف في جواب { إِذَا } والعامل فيها.
فقال الأخفش: التقدير: إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه إذا السماء انشقت. فيكون العامل في { إِذَا } على قوله فملاقيه.
وقيل: التقدير: اذكر يا محمد إذا السماء انشقت.
وقيل: الجواب: { يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَٰنُ }، على إضمار الفاء: كما تقول: إذا كان كذا وكذا، فيا أيها الإنسان ترى ما عملت من خير وشر.
وقيل: جواب { إِذَا } الأولى والثانية: { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ }.
وقيل: التقدير: إنك كادح إلى ربك كَدَحاً إذا السماء انشقت. وهذا لا يجوز لأن الكدح: العملُ، فمحال أن يعمل في وقتِ انشقاق السماء /.
وقيل: الجواب: { وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا }، و [الواو] زائدة، أي: إذا السماء انشقت، (أذنت لربها.
وقيل: الجواب محذوف. والتقدير: إذا السماء انشقت)، رأيت الثواب والعقاب.
وقال المبرد: التقدير: إذا السماء انشقت، فأما من أوتي كتابه بيمينه.
- ثم قال تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ }.
أي: إنك عامل إلى ربك عملاً في دنياك، فأنت ملاقيه خيراً كان أو شراً، فليكن عملك ما ينجيك من عقابه ويوجب لك ثوابه.
قال قتادة: "إن كدحك لك يا ابن آدم [لضعيف]، فمن استطاع أن يكون كدحه في طاعة الله فليفعل، ولا قوة إلا بالله". [قال] ابن عباس وابن زيد وغيرهما: كادح: عامل.
والوقف في أول هذه السورة على مقدار ما تقدم من جواب { إِذَا } والعامل فيها، فلا تقف على ما قبل الجواب ولا ما قبل العامل. وقد ذكر الاختلاف في ذلك.
- قال تعالى: { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً }.
أي: من أعطي كتاب عمله [يومئذ] بيمينه ينظر في عمله فيغفر له [سيئه]، ويجازى على حسنه.
قالت عائشة رضي الله عنها: سَمِعتُ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول:
"اللّهُمّ حَاسِبْنِي حِسَاباً يَسيراً، فَقُلت: يَا رسولَ الله، مَا الحِسَابُ اليَسير؟ قال: (أن) يُنظَرُ فِي سيّئاتِهِ فَيُتجاوَزُ عَنْهُ، إنّهُ من نُوقِشَ الحِسَابَ يَومَئذٍ هَلَكَ" .
وروى ابن (أبي) مليكة عن عائشة أيضاً أنها قالت: "قَالَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: [إِنّهُ لَيْسَ أحدٌ يُحاسبُ يَومَ القِيامَةِ إلا معذّباً، قالت: يَا رسُول الله]، يقول الله جلّ وعزّ: { فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً }. قال: ذَلِكَ العرض، إنّه من نُوقش الحِساب عذّب" .
قال ابن زيد: الحسابُ اليسيرُ: الذي تغفر ذنوبه وتتقبل حسناته وتيْسيرُ الحساب الذي يُعفى عنه، وقرأ: { وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ } [الرعد: 21]، وقرأ: { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ } [الأحقاف: 16].
والمحاسبة بين العبد و (بين) ربه إنما هي إقرار العبد بما أحصاه كتاب عمله.
وروى ابن وهب
"أن عائشة رضي الله عنها قالت: يا نَبيّ (الله)، كَيْفَ { حِسَاباً يَسِيراً }؟ قال: يُعطى العَبْدُ كِتابَهُ بِيَمينِهِ فَيَقرأ سَيّئاتِهِ ويَقرأ النّاس حَسَناتِهِ، ثُمّ تُحوّل صَحيفَـتُهُ فيحوّل اللهُ سَيّئاته حَسَناتٍ، فيقرأ حَسَناتِه ويَقرأ النّاسُ سَيّئاتِه حَسناتٍ، فَيَقُولُ الناسُ: مَا كان لِهَذا العَبْدِ سيّئةٌ. قال: فَيُعرّفُ بِعَمَلِهِ ويُغْفَرُ لَهُ، فَذَلِك قولُه تَعالَى: { يُبَدِّلُ ٱللَّهُ [سَيِّئَاتِهِمْ] حَسَنَاتٍ }" .
- وقوله: { وَيَنقَلِبُ إِلَىٰ أَهْلِهِ مَسْرُوراً }.
أي: وينصرف بعد محاسبته حسابا يسيرا إلى أهله في الجنة مسرورا بما أعد الله له وما نجاه منه.
وروي أن أول من يأخذ كتابه بيمينه أبو سلمة بن عبد [الأسد]، وهو أول من يدخل الجنة من هذه الأمة، وهو أول من هاجر من مكة إلى المدينة.