التفاسير

< >
عرض

أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
١٦
-التوبة

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله: { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ }، الآية.
{ أَن تُتْرَكُواْ }: في موضع مفعولي "حسبت" عند سيبويه.
وقال المبرد: { أَن تُتْرَكُواْ }: مفعول أول، والثاني مفعول محذوف.
و { أَمْ } هنا: استفهام، والمعنى: أحسبتم أيها المؤمنون كذا وكذا؟.
ومعنى الآية: أنها خطاب للمسلمين الذين أمرهم الله بقتال المشركين الذين نقضوا العهد، وأخرجوا الرسول، يقول تعالى: أحسبتم، أيها المؤمنون أن يترككم الله بغير محنة، وبغير اختبار، ليعلم الصادق منكم من الكاذب، علم مشاهدة. وقد كان علم ذلك، تعالى، قبل خلق العالم، ولكن المجازاة إنما تقع على المشاهدة، فيعلم المجاهدين الذين لم { لَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً }، أي: بِطَانَةً من المشركين، يفشون إليهم من سرهم.
قال الطبري: إنما دخلت { أَمْ } في موضع الألف هنا؛ لأنه من الاستفهام المعترض في وسط الكلام، فدخلت لتفرق بين الاستفهام الذي يبتدأ به، والاستفهام الذي يعترض.
في وسط الكلام.
ومثله:
{ الۤـمۤ * تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ لاَ رَيْبَ [فِيهِ] مِن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [السجدة: 1-2]، ثم قال: { أَمْ يَقُولُونَ } [السجدة: 3]، بمعنى: أيقولون.
ومثله:
{ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَآ / خَيْرٌ } [الزخرف: 51-52]، أي: أنا خير.
وهذه { أَمْ } هي التي تسمى "المنقطعة، ولا يقدر الكلام معها بـ: "أيهم" ولا بـ: "أيهما".
{ وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }.
أي: ذو خبر بعملكم إن اتخذتم بطانةً من المشركين تفشون إليهم سر المؤمنين.
ونظير هذه الآية:
{ الۤـمۤ * أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوۤاْ أَن يَقُولُوۤاْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ } [العنكبوت: 1-2]، أي: يختبرون، ثم قال: { { وَلَقَدْ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } [العنكبوت: 3]، إلى: { وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْكَاذِبِينَ } [العنكبوت: 3].