التفاسير

< >
عرض

إِنَّمَا ٱلنَّسِيۤءُ زِيَادَةٌ فِي ٱلْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِّيُوَاطِئُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوۤءُ أَعْمَالِهِمْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ
٣٧
-التوبة

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله: { إِنَّمَا ٱلنَّسِيۤءُ زِيَادَةٌ فِي ٱلْكُفْرِ }، الآية.
روى أحمد بن صالح، وداود، وأبو الأزهر عن ورش: { ٱلنَّسِيۤءُ }، مشدداً غير مهموز.
وكذلك قال أحمد بن صالح عن قالون.
وقال الحلواني عن قالون: مهموز.
وكذلك روى إسماعيل بن جعفر عن نافع.
وهو من "نسأتُه" و "أَنْسَأْتُه": إذا أخرته.
ومن قرأ بغيْرِ همزٍ احتمل أن يكون على تخفيف الهمز.
واحتمل أن يكون من "نسيت" الشيء: تركته.
ومن قرأ { يُضَلُّ }، بفتح الياء، فمعناه: أنهم يَضِلون بتأخير شهر الحج وتقديمهم غيره.
ومن قرأ { يُضَلُّ } بضم الياء، على ما لم يُسمَّ فاعله احتج بقوله: { زُيِّنَ لَهُمْ }، فأجراه عليه للمشاكلة.
وقرأ الحسن، وأبو رجاء: { يُضَلُّ }، بالضم، من: "أضَلَّ"، على معنى: أنهم يضلون به مَنْ قَبِلَ منهم ذلك.
و { ٱلَّذِينَ } في القراءتين المتقدمتين في موضع رفع.
وفي هذه القراءة يجوز أن يكون في موضع رفع على أنهم يضلون به من قَبِل منهم.
ويجوز أن يكون في موضع نصب، على معنى: يُضل الله به الذين كفروا.
ومعنى الآية عند الطبري: ما النسيء إلا زيادة في الكفر، على معنى: إنما التأخير الذي يؤخِّره أهل الشرك من شهور الحرم، وتصييرهم الحرام حلالاً، والحلال حراماً، زيادة في كفر من فعل ذلك.
وذلك أنَّ أبا ثُمامة بن عوف، كان يحرم عليهم صفراً عاماً، ويحلله عاماً، فيحرم صفراً والمحرم عاماً، وهو قوله: { يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً }.
وذلك أنهم (كانوا) قد تمسكوا بتحريم الأربعة الأشهر الحرم من ملة إبراهيم، عليه السلام، فربما احتاجوا إلى تحليل المحرّم لحرب تكون بينهم، فيؤخرون تحريم المحرّم إلى صفر، ويقاتلون في المحرم. (هذا قول أبي عبيد، قال: فيحرمون صفراً إذا قاتلوا في المحرم)، ويقولون: هذا أحدُ الصفرين.
وقد تأول قوم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا صَفَرَ" أنه إنما نفى هذا المعنى.
ثم كانوا يحتا/ جون إلى صفر لقتال، فيؤخرون تحريمه إلى ربيع، ثم يتمادون على تحريمه، ثم كذلك يؤخرون من شهر إلى شهر حتى استدار المحرم عن السنة كلها، فأتى الإسلام وقد رجع المحرم إلى موضعه الذي وضعه الله به، وذلك بعد دهر طويل؛ لأنهم كانوا ينتقلون إلى تحريم شهر، ويقيمون عليه مدة، (ثم يحتاجون إلى القتال فيه، فيحرمون ما بعده، ويقيمون عليه مدة ثم يحتاجون إلى القتال فيه، فيحرمون ما بعده ويقيمون عليه مدة)، حتى صاروا إلى المحرم، فأتى الإسلام وقد رجع الشيء إلى حقه، فذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:
"إنَّ الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض" .
فقوله: { يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً }، هو أنه يحلون صفراً، ثم يحتاجون إلى تحريمه [فيحرمونه]، ويحلون ما قبله، ثم يحتاجون إلى تحليل صفر، فيحلونه، ويحرمون ما بعده، كذا يصنعون.
وقال مجاهد في قوله:
{ وَلاَ جِدَالَ فِي ٱلْحَجِّ } [البقرة: 197]، أي: وقد استقر الحج الآن في ذي الحجة فلا جدال فيه.
وقال مجاهد: كانت العرب تحج عاميْن في ذي القعدة، وعاميْن في ذي الحجة، فلما حج النبي صلى الله عليه وسلم، كان الحج تلك السنة في ذي الحجة، فهو معنى: { وَلاَ جِدَالَ فِي ٱلْحَجِّ }، أي: قد استقر في ذي الحجة.
وقال ابن عباس، ومجاهد، والضحاك: إن المعنى، أن رجلاً [كان] يأتي الموسم، فيحل لهم المحرم سنة ويحرم صفراً، ويحلل صفر العام المقبل، ويحرم المحرم.
قال ابن زيد: كان اسم الرجل: الْقَلَمَّس، قال شاعرهم:

ومنَّا الذي يُنْسي الشُّهورَ الْقَلَمَّسُ

ومعنى { زِيَادَةٌ }، (أي): ازدادوا به كفراً إلى كفرهم.
ومعنى: { لِّيُوَاطِئُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ }. أي: ليشابهوا به الذي حرم الله، ويوافقوه به في العدة، لا يزيدون ولا ينقصون، إنما يؤخرون ذا، ويأخذون ذا.
وروى ابن أبي شيبة أن اسم الرجل: نسيء.
{ زُيِّنَ لَهُمْ سُوۤءُ أَعْمَالِهِمْ }.
أي: حبب ذلك إليهم.
{ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ }.
أي: لا يوفقهم للهدى.