التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَافِقِينَ وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ
٧٣
يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ ٱلْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُوۤاْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ
٧٤
-التوبة

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ }، إلى قوله: { مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }.
المعنى: جاهدهم بالسيف.
قال ابن مسعود: الجهاد يكون باليد، واللسان، والقلب، فإن لم يستطع فليكفهِّر في وجهه.
وقال ابن عباس: أمر النبي صلى الله عليه وسلم، بجهادهم، باللسان للمنافقين، وبالسيف للكفار.
وقال الضحاك: جاهد الكفار بالسيف، وأغلظ على المنافقين بالكلام.
وقال الحسن المعنى: جاهد الكفار بالسيف، والمنافقين بإقامة الحدود عليهم.
وهو قول قتادة.
وقيل: معنى جاهد المنافقين: إقامة الحجة عليهم.
ثم قال حكاية عنهم: { يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ }، وذلك أن رجلاً من المنافقين، يسمّى: الجُلاَس بن سُوَيْد بن الصامت، قال: إن كان ما جاء به محمد حقاً، لَنَحْنُ شَرٌّ من الحَمِيرِ، فقال له ابن امرأته، واسمه عمير بن سعد،: والله، إنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم لَصَادِقٌ، ولأنت شر من الحمار، والله، لأخبرنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، بما قلت وإلا أفعل أخاف أن تصيبني قارعة وأؤخذ بخطيئتك، فأعلم الله النبي عليه السلام بذلك، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم، الرجل، فحلف ما قال، فأنزل الله عز وجل: { يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ } الآية.
قال ابن إسحاق: بلغني أنه لما نزل فيه القرآن، تاب وحسنت توبته.
وقيل: إنه سمعه يقول ذلك، عاصم بن عدي الأنصاري، وهو الذي أخبر النبي عليه السلام، بذلك، فأحضر للنبي صلى الله عليه وسلم الجُلاَس وعامراً، فحلف الجُلاَس بالله ما قال ذلك، فقال عامر: والله، لقد قاله، ورفع عامر يديه، وقال: اللهم أنزل على عبدك ونبيّك تصديق الصادق وتكذيب الكاذب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: آمين، فأنزل الله تصديق عامر، فقال الجُلاَس: قد عرض الله علي التوبة، والله، لقد قلته وصدق عامر، وتاب الجُلاَس وحسنت توبته.
وَيُرْوَى أن عامراً، قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنه ليريد قتلك، وفيه نزل: { وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ }، أي: هموا بقتلك ولا ينالونه.
وقال قتادة: نزلت في عبد الله بن أبيّ بن سلول، رأى رجلاً من غفار، تَقَاتَلَ مع رجل من جُهينة، وكانت جُهينة حُلفاء الأنصار، فَعلا الغفاريُّ الجُهَنيَّ، فقال عبد الله للأوس: انصروا أخاكم، فوالله ما مَثَلُنَا ومَثَلُ محمد إلا كما قال القائل: سَمّنْ كلبك يأكلك،
{ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ } [المنافقون: 8]، فسعى بها رجل من المسلمين إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه النبي عليه السلام فسأله، فحلف ما قاله، فأنزل الله عز وجل، { يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ }.
وقوله: { وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ }.
قيل: هو الجُلاَس بن سويد [هَمَّ] بقتل ابن امرأته خوفاً أن يفشي عليه ما سمع منه.
وقال مجاهد: هَمَّ رجل من قريش يقال له الأسود، بقتل النبي، عليه السلام.
وقيل: هو عبد الله بن أبيّ بن سلول، هم بإخراج النبي عليه السلام، من المدينة / وهو ما حكاه الله عز وجل، عنه:
{ { لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ } [المنافقون: 8].
وقيل: هو الجُلاَس، همّ بقتل النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله: { وَمَا نَقَمُوۤاْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ }.
والمعنى: أنهم ليس ينقمون شيئاً.
قال الطبري، وغيره: كان المنافق الذي قال كلمة الكفر، حلف أنَّه ما قال، قُتِل له مولىً، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ديته، فأغناهُ بها، فقال الله عز وجل، ما أنكروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، شيئاً: { إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ }.
وهو الجُلاَس.
وقال قتادة: كانت لعبد الله بن أُبيّ دية، فأخرجها رسول الله صلى الله عليه وسلم [له].
قوله: { فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ }.
أي: إن تاب هؤلاء القائلون كلمة الكفر يكُ ذلك خيراً لهم من النفاق.
{ وَإِن يَتَوَلَّوْا }.
أي: يدبروا عن التوبة.
{ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي ٱلدُّنْيَا }.
أي: بالقتل، وفي الآخرة بالنار.
{ وَمَا لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }.
يمنعهم من العقاب، ولا نصير ينصرهم من عذاب الله عز وجل.
{ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ }، وقف.
{ مِن فَضْلِهِ }، وقف.
{ خَيْراً لَّهُمْ }، وقف.