التفاسير

< >
عرض

فَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ ٱللَّهِ وَكَرِهُوۤاْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي ٱلْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ
٨١
فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ
٨٢
فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ إِلَىٰ طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ فَٱسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِٱلْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَٱقْعُدُواْ مَعَ ٱلْخَالِفِينَ
٨٣
-التوبة

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله: { فَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ ٱللَّهِ }، إلى قوله: { مَعَ ٱلْخَالِفِينَ }.
{ خِلاَفَ رَسُولِ ٱللَّهِ }: مفعول من أجله، أو مصدر مطلق.
والمعنى: فرح الذين تخلفوا عن الغزو مع رسول الله عليه السلام، بجلوسهم في منازلهم، على الخلاف منهم لرسول الله عليه السلام، لأنه أمرهم بالخروج معه فتخلفوا عنه، وفرحوا بتخلفهم، وكرهوا الخروج في الحر.
وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم، استنفرهم في غزوة تبوك في حر شديد، فقال بعضهم لبعض: { لاَ تَنفِرُواْ فِي ٱلْحَرِّ }، قال الله عز وجل، لنبيه عليه السلام { قُلْ } لهم: { نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً }، لمن خالف أمر الله، وعصى رسوله، عليه السلام من هذا الحر الذي تتواصون به بينكم أن لا تنفروا فيه، فالذي هو أشد حراً، يجب أن يتقي { لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ }، عن الله عز جل، وَعْظَه.
وكان عدة من تخلف عن الخروج مع النبي عليه السلام، في غزوة تبوك من المنافقين نيفاً وثمانين رجلاً.
ثم قال تعالى: { فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً }.
أي: [في] هذه الدنيا الفانية، / { وَلْيَبْكُواْ / كَثِيراً }، في جهنم { جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }، من التخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعصيته.
قال النبي عليه السلام:
"والذي نفسي بيده، لو تعلمون ما أعلم لَضَحِكْتُمْ قليلاً، ولبكيتم كثيراً" .
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم نودي عند ذلك، أو قيل له: لا تُقَنِّط عبادي.
قال ابن عباس: الدنيا قليل، فليضحكوا فيها ما شاءوا، فإذا انقطعت الدنيا، استأنفوا بكاء لا ينقطع عنهم أبداً.
ثم قال تعالى لنبيه عليه السلام: { فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ إِلَىٰ طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ فَٱسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ }.
أي: إن ردَّك الله من غزوتك إلى المنافقين، فاستأذنوك للخروج معك في غزوة أخرى، { فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِٱلْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ }، أي: في غزوة تبوك، { فَٱقْعُدُواْ مَعَ ٱلْخَالِفِينَ }، [أي: مع الذين] قعدوا من المنافقين خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنكم منهم.
قال ابن عباس: تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، رجال في غزوة تبوك فأدركتهم أنفسهم، فقالوا: والله ما صنعنا شيئاً، فانطلق منهم ثلاثة نفرة، فلحقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أتوه تابوا، ثم رجعوا إلى المدينة فأنزل الله، عز وجل، { فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ إِلَىٰ طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ }، الآية. فقال النبي عليه السلام: "هلك الذين تخلفوا"، فأنزل الله عز وجل، عذرهم لما تابوا فقال:
{ لَقَدْ تَابَ الله عَلَىٰ ٱلنَّبِيِّ وَٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنصَارِ } [التوبة: 117]، إلى قوله: { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } [التوبة: 118].
وقال قتادة { مَعَ ٱلْخَالِفِينَ }، مع النساء.
وكانوا اثني عشر رجلاً من المنافقين.
وقال ابن عباس "الخالفون": الرجال.
ومعناه: اقعدوا مع مرضى الرجال وأهل الزَّمَانة والضعفاء.
وقيل "الخالفون": الرجال الضعفاء والنساء، وغلَّب المذكر على الأصول العربية.
وقال الطبري: { مَعَ ٱلْخَالِفِينَ } مع أهل الفساد، من قولهم: "خَلَفَ الرَّجُل على أهله يَخْلُفُ خُلُوفاً"، إذا فسد، ومن قولهم: هو خلف سوءٍ"، ومن قولهم: "خَلَفَ فَمُ الصَّائِمِ"، إذا تغير ريحه، ومن قولهم: "خَلَفَ اللَّبَنِ يخلُفُ" إذا حَمُضَ.