التفاسير

< >
عرض

وَٱلضُّحَىٰ
١
وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ
٢
مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ
٣
وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ ٱلأُولَىٰ
٤
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ
٥
أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَىٰ
٦
وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَىٰ
٧
وَوَجَدَكَ عَآئِلاً فَأَغْنَىٰ
٨
فَأَمَّا ٱلْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ
٩
وَأَمَّا ٱلسَّآئِلَ فَلاَ تَنْهَرْ
١٠
وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ
١١
-الضحى

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله تعالى: { وَٱلضُّحَىٰ * وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ } إلى آخرها.
أقسم الله جل ذكره بالضحى، وهو النهار كله عند الفراء.
وعند غيره: هو أول (النهار)، قال قتادة: الضحى: "ساعة من ساعات النهار"، والمعنى: ورب الضحى، وخالق الضحى، ونحوه.
وقوله: { إِذَا سَجَىٰ } قال ابن عباس: { سَجَىٰ }: أقبل. وعنه أيضاً: "سجى": ذهب.
وقال مجاهد: { سَجَىٰ } استوى. وقال قتادة: { سَجَىٰ }: "سكن بالخلق".
وقال الضحاك: { سَجَىٰ }: استقر وسكن. وهو قول ابن زيد.
ثم قال تعالى: { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ / وَمَا قَلَىٰ }.
هذا جواب القسم، أي: ما تركك ربك يا محمد وما أبغضك.
فالمفعول من "قلى" محذوف.
وروي أن الوحي أبطأ على النبي صلى الله عليه وسلم فقالت قريش: قد ودع محمداً ربه وقلاه، فأنزل الله جل ذكره: { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ / وَمَا قَلَىٰ }.
وروى هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: أبطأ جبريل عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت له خديجة: أحسب ربك قد [قلاك]، فأنزل الله: { وَٱلضُّحَىٰ } إلى آخرها.
وقال ابن عباس: أري النبي صلى الله عليه وسلم ما هو مفتوح على أمته، فسر بذلك، فأنزل الله { وَٱلضُّحَىٰ } إلى قوله: { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ } (قال) فأعطاه الله ألف قصر في الجنة، ترابها المسك في كل قصر ما ينبغي (له) من الأزواج والخدم.
ثم قال تعالى: { وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ ٱلأُولَىٰ } أي: ولنعيم الآخرة خير لك من نكد (الدنيا).
(ثم) قال تعالى: { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ } أي: ولسوف يعطيك يا محمد ربك في الآخرة من فواضل نعمه حتى ترضى.
قال ابن عباس: عرض على النبي صلى الله عليه وسلم ما هو مفتوح على أمته من بعده، فسر بذلك، فانزل الله: { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ }، قال: فأعطاه (الله) ألف قصر من لؤلؤ ترابها المسك، وفيها ما يصلحها.
وعن ابن عباس أنه قال: ما رضي محمد صلى الله عليه وسلم أن يدخل أحد من أهل بيته النار.
وروى جابر بن عبد الله
"أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على بنته فاطمة وعليها كساء (من [جلة]) الإبل وهي تطحن بيدها، فلما رآها دمعت عيناه، وقال: يا فاطمة، تعجلي مرارة الدنيا لحلاوة الآخرة، فأنزل الله: { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ }" .
[وروي عن بعض أن النبي صلى الله عليه وسلم [قال]: "ليس في القرآن أرجى من قوله: { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ }]، ولا يرضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدخل أحد من أمته النار" .
هذا معنى قوله المروي عنه.
ثم قال تعالى: { أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَىٰ }.
أي: كنت يا محمد يتيماً في حجر عمك أبي طالب فجعل الله لك مأوى تأوي إليه، ومنزلاً تنزله.
وقيل: كنت يتيما فآواك إلى عمك أبي طالب.
{ وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَىٰ }.
أي: ووجدك على غير الذي أنت عليه اليوم فهداك (للذي أنت عليه. وقيل: وجدك ضالاً عن النبوة فهداك إليها. وقال الفراء: معناه ووجدك في قوم ضلال فهداك) للإيمان.
وقيل: ضالاً عن الشريعة.
وقيل: ضالاً، أي: منسوباً إلى الضلالة. وقيل: معنى فهدى: فبين أمرك بالبراهين.
ثم قال تعالى: { وَوَجَدَكَ عَآئِلاً فَأَغْنَىٰ }.
أي: فقيراً فأغناك، يقال: عال يعيل عيلة: إذا افتقر، وأعال يعيل: إذا كثر عياله.
وفي مصحف عبد الله: "ووجدك عديماً فأغنى".
وهذه كلها نعم من الله على النبي صلى الله عليه وسلم يذكره بها وينبهه على شكرها ويعددها عليه ليذكرها.
ثم قال تعالى: { فَأَمَّا ٱلْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ }.
أي: لا تظلمه فتذهب بحقه استضعافاً منك له.
قال قتادة: { فَلاَ تَقْهَرْ }: فلا تظلم. وفي مصحف عبد الله: "فلا تكهر". وقال الأخفش: هما لغتان بمعنى، وقال غيره: معنى [تكهر]: لا تشدد عليه.
ثم قال تعالى: { وَأَمَّا ٱلسَّآئِلَ فَلاَ تَنْهَرْ }.
أي: وأما من سألك من ذوي الحاجة فلا تنهره، (ولكن أعطه، أو رده رداً جميلاً. قال مجاهد: "فلا تنهر": فلا تغضبه.
[قال الحسن: ليس سائل الطعام والشراب، ولكنه سائل العلم إذا أتاك، فأنزل الله كيف، ليفهم عنك وتفهم عنه].
ثم قال تعالى: { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ }.
قال مجاهد: بنعمة ربك فحدث، أي: بالنبوة التي أعطاكها، فاذكره.
قال [أبو نضرة]: "كان المسلمون يرون أن من شكر النعم أن يحدث بها".
وفي الحديث:
"إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده" .
فالمعنى: وأما بنعمة ربك يا محمد فحدث الناس بها وأظهرها وأحمد الله عليها، فإن ذلك من الشكر، وهو لفظ خاص للنبي صلى الله عليه وسلم، (عام) في جميع أمته.