التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ
١
وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ
٢
ٱلَّذِيۤ أَنقَضَ ظَهْرَكَ
٣
وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ
٤
فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً
٥
إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً
٦
فَإِذَا فَرَغْتَ فَٱنصَبْ
٧
وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَٱرْغَبْ
٨
-الشرح

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله تعالى: { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } إلى آخرها.
هذه ألف استفهام في اللفظ ومعناها التوقيف على النعم والآلاء، والمعنى: ألم نلين لك يا محمد صدرك ونوسعه لك للهدى ووعي الحكمة وقبول الإيمان؟
ومعنى: نشرح: [نفسح] ونوسع.
وروي أنها [لما] نزلت قيل:
"يا رسول الله، أينشرح الصدر؟ قال: نعم / [وينفسح]. قالوا: يا رسول الله، ألذلك علامة؟ قال: نعم، التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والإعداد للموت قبل نزول الفوت" .
والصدر محل العلم والقرآن، بدليل قوله: { بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ } [العنكبوت: 49]. والمراد به القلب، لأنه وعاء الفهم (والعلم). ولكن ذكر الصدر لقربه من القلب وامتزاجه به.
ثم قال تعالى: { وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ }.
أي: وغفرنا لك ما سلف من ذنبك، فحططنا عنك ثقل آثام الجاهلية.
وفي قراءة عبد الله: وحللنا عنك ذنبك.
{ ٱلَّذِيۤ أَنقَضَ ظَهْرَكَ } أي: [أثقل] ظهرك وأوهنه.
قال قتادة: كانت للنبي صلى الله عليه وسلم ذنوب أثقلته، فغفرها الله عز وجل له، يعني بذلك: ما كان قبل أن ينبأ.
وهو قول ابن زيد.
ثم قال تعالى: { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ }.
أي: لا أذكر إلا ذكرت معي. وذلك قول المؤمنين: لا إله إلا الله، محمد رسول الله.
قال مجاهد: (وهو) قول المؤذن: أشهد أن لا إله [إلا الله]، وأشهد أن محمداً رسول الله.
وقال قتادة: ورفعنا لك ذكرك في الدنيا والآخرة، فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة إلا يقول: أشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
وروى أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"أتاني جبريل [عليه] السلام فقال: إن ربي وربك يقول: كيف رفعت (ذكرك)؟ قال: الله (أعلم، (قال): إذا ذكرت ذكرت معي" .
ثم قال تعالى: { فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً }.
أي: فإن مع الشدة التي) أنت فيها من جهاد قومك رخاء وفرجاً بأن يظفرك الله بهم حتى ينقادوا إلى الحق أو السيف.
ولما نزلت هذه الآية، بشر النبي صلى الله عليه وسلم (بها) أصحابه وقال: لن يغلب عسر يسرين.
قال الحسن: "قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه:
"أبشروا، أتاكم اليسر، لن يغلب عسر يسرين" .
قال ابن مسعود: "لو دخل العسر في جحر لجاء اليسر حتى يدخل عليه"، ثم قرأ الآية.
وإنما كان هذا، لأن العسر (الأول بالألف واللام، ثم كرر كذلك، فهو واليسر نكرة، فلما كرر كان الثاني غير الأول، فصار العسر) واحداً، واليسر يسرين.
وقد قيل: إن معنى التكرير التوكيد.
وقيل: الأول للحال، والثاني للاستقبال.
ثم قال: { فَإِذَا فَرَغْتَ فَٱنصَبْ * وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَٱرْغَبْ }.
قال ابن عباس: معناه: فإذا فرغت من صلاتك فارغب إلى ربك في الدعاء، وانصب إليه.
وقال مجاهد: معناه: فإذا قمت إلى صلاتك فانصب في حاجتك إلى ربك.
وقال الضحاك: فإذا فرغت من صلاتك المكتوبة قبل أن تسلم فانصب.
[وقال] قتادة: أمره تعالى إذا فرغ من صلاته أن يبالغ في دعائه.
وقال الحسن: معناه: إن الله أمر نبيه إذا فرغ من جهاد عدوه أن يجتهد في الدعاء والعبادة. وهو قول ابن زيد.
وعن مجاهد أن معناه: فإذا فرغت من أمر دنياك فانصب في عبادة ربك.
وقال ابن مسعود: فانصب في قيام الليل. فيكون هذا على قوله - منسوخاً بما نسخ قيام الليل.
وقوله: { وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَٱرْغَبْ } أي: واجعل رغبتك إلى ربك دون من سواه من خلقه.
وعن مجاهد: "وإلى ربك فارغب"، أي: "إذا قمت إلى الصلاة".
وقيل: معنى الآية: إذا فرغت من فرائضك فانصب في النوافل "وارغب" إلى ربك دون غيره.