التفاسير

< >
عرض

إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ زِلْزَالَهَا
١
وَأَخْرَجَتِ ٱلأَرْضُ أَثْقَالَهَا
٢
وَقَالَ ٱلإِنسَانُ مَا لَهَا
٣
يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا
٤
بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا
٥
يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ ٱلنَّاسُ أَشْتَاتاً لِّيُرَوْاْ أَعْمَالَهُمْ
٦
فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ
٧
وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ
٨
-الزلزلة

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله تعالى: { إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ زِلْزَالَهَا } إلى آخرها.
العامل في "إذا" قوله (زلزلت)، وهي للشرط، فلذلك عمل فيها ما بعدها. ولو لم تكن للشرط لكانت مضافة إلى الجملة التي بعدها، فلا يجوز حينئذ أن يعمل فيها ما أضيفت إليه، إذ لا يعمل المضاف في المضاف إليه، كما (لا) يعمل بعض الشيء في بعضه، وحسن كونها للجزاء، لأن بعدها فعلاً غير معرب، فصار الجزاء في المعنى دون العمل في اللفظ.
وقوله: { زِلْزَالَهَا } مصدر، (كما) تقول: "أكرمتك كرامتك"، / وأضيف [المصدر] إلى ضمير الأرض لتتفق رؤوس الآي.
والكسائي والفراء يذهبان إلى أن الزلزال مصدر بالكسر، والزلزال بالفتح اسم.
وقد قرأ الجحدري { زِلْزَالَهَا } بالفتح، وكذلك:
{ وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً } [الأحزاب: 11].
والمعنى: إذا زلزلت الأرض، أي: حركت ورجت لقيام الساعة.
ثم قال تعالى: { وَأَخْرَجَتِ ٱلأَرْضُ أَثْقَالَهَا }.
أي: ما في بطنها من الموتى فألقتهم أحياء على ظهرها. قال ذلك ابن عباس ومجاهد وابن جبير وغيرهم.
ثم قال تعالى: { وَقَالَ ٱلإِنسَانُ مَا لَهَا } أي: وقال الكافر: ما بالها؟ ما قصتها؟
وقال الطبري "الإنسان" هنا يراد به الناس، يقولون: ما قصتها إذا زلزلت؟
ثم قال: { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } [أي]: يقول الله جل ذكره لها: قولي: فتقول: إن الله أمرني بهذا وأوحى إلي [ربي] فأخرجت ما في بطني من بني آدم. هذا معنى قول ابن مسعود أنها تتكلم فتقول ذلك.
وكان ابن جبير يقرأ: "يومئذ تبين أخبارها" [على معنى: تبين ما في بطنها فتجعله على ظهرها.
وكان الطبري يختار في معناها: يومئذ تبين أخباره] بالزلزلة والرجة وإخراج الموتى من بطنها إلى ظهرها [بوحي] الله إليها وإذنه لها في ذلك. وهو معنى قوله: { بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا }.
وقيل: معناه: يومئذ تكون الزلزلة وإخراج الأرض أثقالها [تحدث] الأرض أخبار من كان عليها من أهل الطاعة وأهل المعصية وما عملوا على ظهرها في الدنيا من خير أو شر.
قال سفيان { تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } "هو ما عمل عليها من خير أو شر".
قال سفيان: "بأن [ربك] أوحى لها"، أي: أعلمها بذلك.
قال ابن زيد: { أَوْحَىٰ }، أي: أوحى إليها.
قال ابن زيد: "تحدث أخبارها" هو "ما كان فيها وعلى ظهرها من أعمال العباد".
وقال مجاهد: "تخبر الناس بما عملوا عليها".
ومعنى: { أَوْحَىٰ لَهَا }: أفهمها وألهمها.
(ثم قال تعالى: { يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ ٱلنَّاسُ أَشْتَاتاً لِّيُرَوْاْ أَعْمَالَهُمْ }.
(أي): إن ربك) أوحى (لها) ليروا أعمالهم، يرى المحسن جزاء حسناته، والمسيء عقاب سيآته. يومئذ يصدر الناس من موقف الحساب متفرقين، فآخذ ذات اليمين إلى الجنة، وآخذ ذات الشمال إلى النار.
فمعنى: { يَصْدُرُ }: يرجع. والعامل في "يومئذ"يصدر"، واللام في "ليروا" متعلقة "بأوحى" على هذا التقدير.
وقال عباد بن كثير: بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ: "ليروا" [بفتح] الياء، (أي) [ليرى] الناس جزاء أعمالهم.
ثم قال تعالى: { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ }.
[خيراً] منصوب على البيان أو على البدل من "مثقال ذرة".
أي: فمن يعمل في الدنيا وزن ذرة من خير يرى ثوابه في الآخرة.
ومن يعمل في الدنيا وزن ذرة من شر يرى جزاءه في الآخرة.
قال ابن عباس: ليس مؤمن ولا كافر يعمل خيراً ولا شراً في الدنيا إلا أراه الله إياه. فأما المؤمن فيريه حسناته وسيئاته، فيغفر الله له سيئاته ويثيبه على حسناته. وأما الكافر فيرد حسناته ويعذبه على سيئاته.
وقال محمد بن كعب القرظي: من يعمل مثقال ذرة من خير يره، هذا في الدنيا. يعني أن كل كافر يرى ثواب عمله الحسن في الدنيا في نفسه وماله وأهله وولده حتى يخرج من الدنيا وليس له (عند الله خير، { وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ }، هذا في الدنيا، يعني أن كل مؤمن يرى عقوبة سيئاته في الدنيا في نفسه وأهله وماله وولده حتى يخرج من الدنيا وليس عليه) شيء.
وقال أيوب: قرأت في كتاب أبي قلابة قال: نزلت { وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } وأبو بكر رضي الله عنه يأكل، فأمسك وقال: يا رسول الله، إني [لراء] ما عملت من خير وشر؟ فقال: أرأيت ما رأيت مما تكره؟ فهو من مثاقيل ذرة (الشر، ويدخر مثاقيل ذرة) الخير حتى تعطوه يوم القيامة. وتصديق (ذلك) في كتاب الله: "وما أصابكم من مصيبة [بها] كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير".
وقال الشعبي:
"قالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله، إن عبد الله بن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم، ويطعم المسكين، ويفعل ... فهل ذلك نافعة؟ قال: لا ينفعه، إنه لم يقل قط رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين" .
وروى قتادة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عز وجل لا يظلم المؤمن / حسنة يثاب عليها الرزق في الدنيا ويجازى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بها في الدنيا، [فإذا كان] يوم القيامة لم تكن له حسنة" .
وروى [سلمان] الفارسي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال): "دخل رجل النار في ذباب، ودخل آخر الجنة في ذباب. قال: مر رجل بقوم ولهم آلهة: فقالوا: أقرب لألهتنا شيئاً. قرب ولو ذباباً، فقرب [ذباباً]، فدخل النار. ومر رجل آخر فقالوا: [ألا تقرب] لآلهتنا شيئا؟ ولو ذباباً؟! فقال: لا، فقتلوه فدخل الجنة" .
وروى نصير عن الكسائي: أنه كان يقرأ (خيراً يره وشراً يره) بضم.
وإنما قال تعالى ذكره: { فَمَن يَعْمَلْ } وهو خبر عما في الآخرة، لأن السامع قد فهم المعنى، ومعناه: فمن عمل. ودل على أن ذلك إنما هو في الآخرة قوله: { يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ ٱلنَّاسُ أَشْتَاتاً لِّيُرَوْاْ أَعْمَالَهُمْ }.
وقيل: إنما جاء "يعمل" بلفظ المستقبل للحث لأهل الدنيا على العمل بطاعة الله [والزجر] عن معصيته.
وروي أن [سلمان] قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: كيف ينفلت ابن آدم ممن وزن الجبال، وكال المياه، وعد التراب؟!
وقال طاوس: { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ } من أهل الأديان غير الإسلام، ما عمل منهم أحد مثقال ذرة من خير إلا كوفئ بها في الدنيا في بدنه وماله وأهله حتى يموت وما بقي له مثقال ذرة من خير، { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ } قال: من المؤمنين [قوم] يكافأون في الدنيا بالمصيبة في أبدانهم وأموالهم وأهليهم حتى يموت أحدهم ما بقي عليه مثقال ذرة من شر، فهذا يجعل الآيتين في المجازاة في الدنيا.