التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ
٩
دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
١٠
وَلَوْ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ ٱسْتِعْجَالَهُمْ بِٱلْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ
١١
وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ٱلضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذٰلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
١٢
-يونس

تفسير الجيلاني

ثم قال سبحانه على مقتضى سنته المستمرة من تعقيب الوعيد بالوعد، وبالعكس: { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بالله وتوحيده { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } المأمورة من عنده؛ لإصلاح أحوالهم { يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ } إلى فضاء توحيده { بِإِيمَانِهِمْ } ويقينهم العلمي { تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَارُ } أي: جداول المعارف والحقائق المنتشئة من بحر التوحيد، من صبغة باليقين العيني والحقي { فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } [يونس: 9] أي: هم مخلدون في مستلذاتهم الروحانية.
{ دَعْوَاهُمْ فِيهَا } ومناجاتهم مع ربهم، بعدما انقطعوا عن السلوك والتكميل: { سُبْحَانَكَ ٱللَّهُمَّ } أي: اللهم إنَّا ننزهك تنزيهاً، ونقدسك تقديساً عن جميع ما يليق بجنات قدسك { وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا } أي: ترحيب بعض أرباب الدرجات مع بعض على تفاوت مراتبهم { سَلاَمٌ } وتسليم؛ لتحققهم بمقام الرضا ومقعد الصدق { وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ } بعد وصولهم إلى غاية مأمولهم: { أَنِ ٱلْحَمْدُ } والمنة والثناء { للَّهِ } المنعم المفضل { رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [يونس: 10] يربيهم بأنواع اللطف والكرام تفضلاً منه سبحانه وامتناناً.
ثم قال سبحانه حثاً لعباده إلى الرجوع والتوجه نحوه: { وَلَوْ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ } المدبر لأمومر عباده { لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ } حين استعجلوه؛ لغرض من الأغارض { ٱسْتِعْجَالَهُمْ بِٱلْخَيْرِ } أي: كاستعجال الخير لهم حين طلبوا، أو دعوا لأجله { لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ } يعني: انقرض مدة حياتهم بحلول أجلهم بدعائهم، ولكن أمهلناهم؛ رجاء أن يستغفروا منهم من يستغفر، وبالجملة: { فَنَذَرُ } وتترك المصرين { ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا } ورضوا بالحياة الدنيا واقتصروا عليها، وأنكروا يوم الجزاء واللقاء { فِي طُغْيَانِهِمْ } المتجاوز عن الحد { يَعْمَهُونَ } [يونس: 11] يترددون؛ إمهالاً لهم وتهويلاً لعذابهم.
{ وَ } من شدة عمههم وطغيانهم { إِذَا مَسَّ } وعرض { ٱلإِنسَانَ ٱلضُّرُّ } أي: ما يضره من مرض مؤلم وأمر مفجع مفزع { دَعَانَا } متشكياً إلينا، باثاً شكواه عندنا، ملقياً { لِجَنبِهِ } إن لم يقدر على غيره { أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً } متضرعاً متفجعاً مستكشفاً { فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ } وعجلنا له مراده تجاوز عنا وعن أمرنا، ولم يتلفت إلينا أصلاً، وصار من شدة عمهه وغفلته { مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إِلَىٰ } كشف { ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذٰلِكَ } أي: مثل ما سمعت { زُيِّنَ } أي: حبب وحسن { لِلْمُسْرِفِينَ } المنهمكين في الغي والضلال { مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [يونس: 12] من مخالفة أمر الله، ومخاصمة رسوله والمؤمنين المتابعين له، والإصرار على ما هم عليه من العتو والعناد.