التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ ٱلظَّالِمِينَ
١٠٦
وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ
١٠٧
قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَكُمُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ
١٠٨
وَٱتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَٱصْبِرْ حَتَّىٰ يَحْكُمَ ٱللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَاكِمِينَ
١٠٩
-يونس

تفسير الجيلاني

{ وَ } متى عرفت حقيقة الحال وظهر عندك حلية المقال { لاَ تَدْعُ مِن دُونِ ٱللَّهِ } الواجب وجوده { مَا لاَ يَنفَعُكَ } من الموجودات الباطلة والأضلال الزائلة { وَلاَ يَضُرُّكَ } أيضاً؛ إذ لا أثر لها من ذاتها ولا وجود لها من نفسها { فَإِن فَعَلْتَ } وادعيت وجود غير الحق { فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ ٱلظَّالِمِينَ } [يونس: 106] الذين يظلمون على الله بادعاء الوجود والأثر لغيره.
{ وَ } كيف تدعي وتثبت لغيره وجوداً وأثراً { إِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ } الرقيب عليك ويصيبك { بِضُرٍّ } يسوءك ويحزنك { فَلاَ كَاشِفَ لَهُ } ولا يدفع عنك ضرره { إِلاَّ هُوَ } إذ لا شيء سواه ولا إله إلا هو { وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ } يسرك تفضلاً عليك وامتناناً لك { فَلاَ رَآدَّ } ولا دافع { لِفَضْلِهِ } عنك { يُصَيبُ بِهِ } أي: بالفضل والحسنى { مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَ } ولا يمنع فضله جرائمهم وعصيانهم؛ إذ { هُوَ ٱلْغَفُورُ } لذنوبهم بعد استغفارهم ورجوعهم { ٱلرَّحِيمُ } [يونس: 107] عليهم يقبل توبتهم ويتجاوز عن سيئاتهم.
{ قُلْ } يا من بُعث لكافة البرايا وأُرسل إليهم بالتوحيد الذاتي الذي ختم به أمر التشريع والإرسال والإنزال، بلغ إليهم ما جئت به من ربك، منادياً عليهم ليقبل بقبوله: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ } المكلفون بالعبادة والعرفان { قَدْ جَآءَكُمُ ٱلْحَقُّ } الصريح { مِن رَّبِّكُمْ } وهو الإسلام المبين لشعائر المعرفة والتوحيد { فَمَنِ ٱهْتَدَىٰ } بالإسلام إلى التوحيد { فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ } ويكتسب الهداية لها ونال ثوابها إليها { وَمَن ضَلَّ } ولم يهتدِ بنور الإسلام { فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا } ويقترف الضلالة لنفسها، فعاد وبالها عليها، قل لهم أيضاً: { وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ } [يونس: 108] حفيظ، كفيل لأموركم ضمين لها، بل ما أنا إلا بشير ونذير أبلغكم ما أرسلت به، فلكم الخيار وعليكم الاختيار.
{ وَٱتَّبِعْ } يا أكمل الرسل { مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ } من ربك وامض عليه، وبلغ الناس { وَ } لا تبالي بإعراضهم وتكذيبهم، بل { ٱصْبِرْ } على أذاهم وتحمل مكروهاتهم، ولا تفتر عن دعوتك إياهم { حَتَّىٰ يَحْكُمَ ٱللَّهُ } المتولي لأمورك بنصرك وغلبتك عليهم بالقتال وبنسخ دينك جميع الأديان وينشره في جميع الأقطار { وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَاكِمِينَ } [يونس: 109] إذ هو مطلع على سرائر الأمور وخفاياها، قادر على جميع الانتقام لمن أراد مقتك وأعرض عنك.
ربِّ احكم بالخير والحسنى ووفقنا على متابعة سيد الورى.
خاتمة السورة
عليك أيها الطالب لتحقيق الحق، العازم على طريق التوحيد والعرفان، المستكشف عن رموز أهل الكشف وأرباب المحبة والولاء - أنجح الله آمالك، ويسر الله مآلك ويصونك عما عليك - أن تحافظ على شعائر دين الإسلام الذي هو الحق الصريح المنزل على خير الأنام بالعزيمة الصحيحة الخالصة عن شوب الرياء والسمعة، الصافية على قدر الغفلة والهوى، وتلازم الاستفادة والاسترشاد من كتاب الله وأحاديث رسوله - صلوات الله عليه وسلام - وما سمحت به أكابر الصحابة، سيما الحضرة الرضوية المرتضوية وأولاده الكرام - سلام الله عليهم وكرم الله وجوههم - والتابعين لهم بإحسان - رضوان الله عليهم أجمعين - وما جاد به المشايخ العظام والأماجد الكرام، أنار الله براهنيهم، وقدس أسرارهم.
وكن في عزمك هذا متوجهاً إلى قبلة التوحيد وكعبة الذات مائلاً عن الأديان الباطلة والآراء الفاسدة، مصفياً قلبك عن إمارات الكثرة والتعدد إلى حيث ارتفع عنك الالتفات إلى نفسك وشأنك حتى يحل عليك الحيرة المغنية لهويتك في هوية الحق المسقطة لتعينك رأساً، ولا يتيسر لك هذا إلا بالركون عن لوازم الطبيعة والخروج عنها وعما يترتب عليها من اللذات الوهمية والمشتهيات البهيمية التي هي مقتضيات التعينات العدمية واشخصيات الهيولانية.
ومتى صفت سرك وسيرتك عن أمثال هذه المزخرفات العائقة عن الاستغراق في بحر الذات، فزت بما فزت، وصرت بما صرت، وحكم الله عليك بالخير والحسنى وأسكنك عند سدرة المنتهى، عندها جنة المأوى، وليس وراء الله مرمى، لا حول ولا قوةإلا بالله، هو يقول الحق، وهوي يهدي السبيل.