وكيف يفلحون ويفوزون بالفلاح {وَ} هم من شدة ضلالهم {يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ} المتوحد بذاته، المستقل بألوهيته {مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ}؟! لأنهم ليسوا من ذوي القدرة والإرادة، بل من جملة الجمادات المعطلة التي لا شعور لها أصلاً {وَيَقُولُونَ} من كمال غفلتهم وضلاتهم: {هَـٰؤُلاۤءِ} الأجسام والتماثيل العاطلة {شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ} ينقذوهم من بأس الله وبطشه إن تحقق وقوعه {قُلْ} لهم يا أكمل الرسل تسفيهاً وتحميقاً: {أَتُنَبِّئُونَ} تخبرون بقولكم هذا {ٱللَّهَ} العالم بالسرائر والخفايا {بِمَا لاَ يَعْلَمُ} من الأمور الكائنة لا {فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ} من الكوائن فيها، مع أنه سبحانه لا يعزب عن حيطة علمه شيء في الأرض ولا في السماء {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [يونس: 18] من الأوثان والتماثيل التي لا شعور لها أصلاً، مع أنها من أدون المظاهر، وأخس المخلوقات، وبالجملة: ما قدروا الله أولئك الحمقى حق قدره، لذلك نسبوا إليه ما هو منزه عنه، تعالى عمَّا يقول الظالمون علواً كبيراً.
{وَمَا كَانَ ٱلنَّاسُ} المجبولون على مظهرية الحق، المنعكسون من أظلال أسمائه الحسنى وصفاته العليا {إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً} ملتجئة إلى الله، مقتبسة من أنوار تجلياته {فَٱخْتَلَفُواْ} أي: الأظلال الهالكة باختلاف صور الأسماء المتقابلة، والأوصاف المتضادة المتخالفة حسب الشئون والتجليات المتجددة في الكمالات المترتبة عليها {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ} يا أكمل الرسل؛ لتسويتهم وتعديلهم في النشاة الأخرى {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} بالعدالة والقسط {فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [يونس: 19] في هذه النشأة بلا تأخير إلى أخرى، لكن الحكمة المتقنة الإلهية تقتضي تأخيرها، ولذلك أخرت أمرهم وحسابهم وعذابهم؛ لئلا يبطل سر التكاليف والأوامر والنواهي.
{وَيَقُولُونَ} بعدما اقترحوا عنه بالآيات ولم تنزل: {لَوْلاَ} أي: هلا {أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ} من الآيات المقترحة، مع أنه دعواه أن الله قادر على جميع المقدورات والمرادات، لا يخرج عن حيطة قدرته شيء {فَقُلْ} في جوابهمه: بلى، إن الله قادر على جميع المقدورات، ومن جملة مقترحاتكم، إلا أن في عدم إنزالها وإنجائها حكمة غيبية ومصلحة خفية، لا يعلمها إلا هو {إِنَّمَا ٱلْغَيْبُ} كله {للَّهِ} وفي حيطة حضرة علمه {فَٱنْتَظِرُوۤاْ} بتعليق إرادته بمقترحاتكم {إِنِّي مَعَكُمْ} أيضاً بلا تفاوت بيني وبينكم في عدم الاطلاع على غيبه {مِّنَ ٱلْمُنتَظِرِينَ} [يونس: 20].
ثم قال سبحانه على سبيل التوبيخ والتقريع للمسرفين: {وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً} خلاصاً ونجاةً {مِّن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُمْ} واضطرتهم إلى الرجوع والتوجه نحونا {إِذَا لَهُمْ مَّكْرٌ} أي: ما جاءوا بعد نزول الرحمة إلى المكر والخديعة مع نبينا، والطعن {فِيۤ آيَاتِنَا قُلِ} لهم يا أكمل الرسل نيابةً عنا: {ٱللَّهُ} المطلع لضمائركم ومخايلكم {أَسْرَعُ مَكْراً} وأشد تدبيراً وانتقاماً على مكركم وخداعكم، أعد لكم عذاب مكركم، وأشهد عليكم الملائكة، كما قال: {إِنَّ رُسُلَنَا} الموكلون عليكم، المراقبون لأحوالكم {يَكْتُبُونَ} في صحائف أعمالكم {مَا تَمْكُرُونَ} [يونس: 21] وتحيلون مع الله ورسوله.