التفاسير

< >
عرض

لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
٢٦
وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ جَزَآءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِّنَ ٱلْلَّيْلِ مُظْلِماً أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
٢٧
وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُمْ مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ
٢٨
فَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ
٢٩
هُنَالِكَ تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ مَّآ أَسْلَفَتْ وَرُدُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ مَوْلاَهُمُ ٱلْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ
٣٠
-يونس

تفسير الجيلاني

لذلك قال سبحانه: { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ } في هذه النشأة مع الله ورسله، وامتثلوا جميع ما جاء من عنده في كتبه؛ تعبيراً وانقياداً، إيماناً واحتساباً { ٱلْحُسْنَىٰ } أي: المثوبة العظمة الدرجة العلا، بدل إحسانهم في الدنيا؛ عدلاً من الله { وَزِيَادَةٌ } عليها، وهي رضوان الله منهم غايةً وتفضلاً { وَ } صاروا من صغاء عقائدهم وإحسانهم مع الله { لاَ يَرْهَقُ } ويلحق { وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ } غيار الغفلة والندامة { وَلاَ ذِلَّةٌ } صغار وهوان من التواني والتكاسل في احتمال التكاليف الإلهية { أُوْلَـٰئِكَ } السعداء، المقبولون عند الله { أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ } المعدة لأرباب الفضل والعنابة { هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [يونس: 26] جزاءً بما كانوا يعملون من الخيرات والمبرات.
{ وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ } من طغيان نفوسهم، ولم يلتفتوا إلى ما أمرهم الحق، وهداهم إليه رسله، يجيزون على مقتضى ما افترقوا { جَزَآءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا } عدلاً منه سبحانه { وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ } أي: تغطاهم غبار المذلة والخذلان، بدل ما اكتسبوا من البغي والعدوان { مَّا لَهُمْ } حينئذٍ { مِّنَ ٱللَّهِ } أي: من عذابه وعقابه { مِنْ عَاصِمٍ } حافظ يحفظهم، أو شفيع يشفع لهم ويخفف عنهم، بل صاروا من ظلمة كفرهم وفسقهم { كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ } سترت وأحيطت { وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِّنَ ٱلْلَّيْلِ مُظْلِماً } في غاية الظلمة لعدم استنارتهم بنور الإيمان والعمل الصالح { أُوْلَـٰئِكَ } الأشقياء، الهالكون في تيه الغي والضلال { أَصْحَابُ ٱلنَّارِ } المعدة لأهل الغفلة والأهواء { هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [يونس: 27] جزاءً بما كانوا يكسبون من الكفر والمعاصي.
{ وَ } اذكر لهم يا أكمل الرسل { يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ } أي: كلا الفريقين { جَمِيعاً } في يوم العرض والجزاء { ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ } بنا غيرنا من التماثيل والأصنام: الزموا { مَكَانَكُمْ } واستقروا عليها { أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ } حتى تسألوا عمَّا أجرمتم { فَزَيَّلْنَا } فرَّقنا وفصلنا { بَيْنَهُمْ } أي: رفعنا رابطة العابدية والمعبودية التي بها وصلتهم وارتباطهم { وَقَالَ شُرَكَآؤُهُمْ } مخاطبين إياه مشافهةً؛ برءة لنفوسهم: { مَّا كُنتُمْ } أيها الضالون، المنهمكون في الغي والضلال { إِيَّانَا تَعْبُدُونَ } [يونس: 28] بعلمنا وأمرنا؛ إذ لسنا من ذوي العلم وأولي الأمر، بل تعبدون أنتم أهواءكم وشياطينكم الكامنة في نفوسكم قد افتريتم علينا ونسبتم بنا؛ عناداً ومكابرةً.
{ فَكَفَىٰ بِٱللَّهِ } اليوم وفيما مضى { شَهِيداً } على ما جرى { بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ } هو أعلم بعلمه القديم { إِن كُنَّا } أي: إنَّا كنَّا { عَنْ عِبَادَتِكُمْ } أي: توجهكم ورجوعكم إلينا { لَغَافِلِينَ } [يونس: 29] إذ لم نخلق من ذوي الشعور والإدراك في نشأة الاختبار حتى نضلكم ونستعبدكم.
وبالجملة: { هُنَالِكَ } أي: حين أحضروا للسؤال والجواب، والجزاء والحساب { تَبْلُواْ } أي: تختبر وتتفطن { كُلُّ نَفْسٍ } جزاء { مَّآ أَسْلَفَتْ } وكسبت فيما سبقت { وَ } بعد تفطنهم وتنبههم { رُدُّوۤاْ } جميعاً { إِلَى ٱللَّهِ } المتوحد المتفرد للجزاء؛ إذ هو { مَوْلاَهُمُ } ومولى أمورهم { ٱلْحَقِّ } وما سواه من الآلهة الكاذبة الباطلة، ومع بطلانها { وَضَلَّ عَنْهُمْ } أي: غاب عنهم وضاع عنهم { مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } [يونس: 30] ظلماً وزوراً، وسموهم آلهة وشفعاء، ولم يبقَ إلا الله الواحد القهار، ولو كوشفوا بوحدة الحق في جميع الأحيان والأحياز لتحققوا بتوحيده دائماً بلا توقف إلى يوم القيامة، إلا أنهم لا نهماكهم في الغفلة والضلال لم ينتبهوا في النشأة الأولى.