التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ
١
أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ
٢
وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ
٣
تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ
٤
فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ
٥
-الفيل

تفسير الجيلاني

{ أَلَمْ تَرَ } ولم تعلم يقيناً علمياً حاصلاً لك من طريق السمع إلى حيث وصل إلى مرتبة اليقين العيني من كثرة السماع من الثقات، وتكرره { كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ } الذي ربَّاك يا أكمل الرسل لرسالته، وأظهر دينك على الأديان كلها، ونصرك على عموم أعدائك بقدرته الغالبة { بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ } [الفيل: 1] وهو جيش أبرهة بن الصباح الأشرم ملك اليمن من قِبل أصمحة النجاشي.
قصد هدم الكعبة عمَّرها الله، فخرج معه جيشه، ومعه فيل كثيرة، لكن فيها فيل عظيم جسيم في غاية الجسامة، مسمى بـ"محمود" كانوا يأمرون له بهدم البنيان، فيهدمها في الحال، ولهذا سمُّوه بهذا الاسم.
وسبب هذا القصد أن أبرهة بنى كنيسة بصنعاء، فسماها قُليس، فعزم أن يصرف الحاج من مكة إليها، فلمَّا انتشر الخبر، ذهب رجل من كنانة إلى قُليس ذات ليلة، فتغوط فيها ولطخ بها محاربها، فوصل الخبر إلى أبرهة فغار غيرة شديدة، فحلف: والله لأهدمن الكعبة.
فخرج مع جيشه وفيله، حتى وصل إلى حوالي الحرم، وأراد أن يأمر اليل بهدمها، فبرك ولم يبرح نحوها، فضربوه وشددوا عليه، فلم يفد، فكانوا إذا وجهوه إلى جهة غير جهة البيت هرول وأسرع، وأمَّا نحوها فلم يمش قط، فصاروا متحيرين في شأنه.
كما قال سبحانه: { أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ } الذي كادوا به لهدم البيت وانصراف الزوار عنه نحو بيتهم الذي قد بنوا { فِي تَضْلِيلٍ } [الفيل: 2] ضياع وهلاك؟!
{ وَ } كيف لا يكون في الضياع والخسار؛ إذ { أَرْسَلَ } سبحانه بمقتضى قدرته الغالبة { عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ } [الفيل: 3] أفواجاً كثيرة متفرقة، متفوقة من جنس واحد من الطير، مع كل واحد منها ثلاثة أحجار.
{ تَرْمِيهِم } يعني: الطير، جيش أبرهة { بِحِجَارَةٍ } متخذة { مِّن سِجِّيلٍ } [الفيل: 4] وهو معرب: سنك وكل.
{ فَجَعَلَهُمْ } من كثرة ما ترميهم بها { كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ } [الفيل: 5] أي: كتبن يأكله الأنعام وتروث به، فتفرقه الرياح؛ أي: صاروا من شدة غضب الله إياهم هباءً منثوراً.
خاتمة السورة
عليك أيها السالك الخائف من بطش الله، المتحترز عن مقتضى قهره وجلاله أن تكون في عموم أحوالك وأطوارك بين الخوف والرجاء عن جلال الله وجماله، بحيث لا يجري عليك نفَس من أنفاسك، وأنت فيه خالٍ عن كلا النقيضين.
وبالجملة: لا تيأس من روح الله، ولا تتكل على كرمه، فاعلم أنه سبحانه يرقبك في حالاتك، ويعلم منك ما لم تعلم من نفسك، فكن المخلصين ولا تكن من القانطين، فإن ناقدك خبير بصير.