التفاسير

< >
عرض

قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ
١
لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ
٢
وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ
٣
وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ
٤
وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ
٥
لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ
٦
-الكافرون

تفسير الجيلاني

{ قُلْ } يأ اكمل الرسل منادياً لمن دعاك إلى عبادة آلهته الباطلة: { يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ } [الكافرون: 1] الساترون شمس الحق الظاهر في الأنفس والآفاق بغيوم هوياتكم الباطلة.
{ لاَ أَعْبُدُ } أي: لا أنقاد وأتوجه، سيما بعدما وفقني الله إلى توحيده، وهداني نحو شمس ذاته، وشرفني بمطالعة وجهه الكريم { مَا تَعْبُدُونَ } [الكافرون: 2] من الآلهة الباطلة والأظلال الهالكة العاطلة، التي اتخذتموها آلهة من تلقاء أنفسكم أنتم وآباؤكم مع أنه
{ مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ } [يوسف: 40]، بل ما تتبعون أنتم وهم باتخاذهم إلاَّ الظن وما تهوى الأنفس من غير ورود الهداية؛ لأنه من قبل الحق.
{ وَلاَ أَنتُمْ } أيضاً { عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } [الكافرون: 3] من الحق الوحيد، الفريد، الحقيق بالعبادة والإطاعة، بالاستقلال والانفراد؛ إذ لا إله معه، ولا شيء يماثله حتى يشاركه في أخص أوصافه التي هي الألوهية؛ إذ ليس في وسعكم واستعدادكم الإيمان به والإيقان بوحدته واستقلاله في ملكه وملكوته، ومع ذلك ما وفقكم الحق عليه وأقدركم به.
{ وَ } بالجملة: { لاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ } [الكافرون: 4] إذ لا يليق بالألوهية حتى أعبد له.
{ وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } [الكافرون: 5] إذ لا يتيسر لكم الإيمان به والاطلاع على وجوده والاتصاف بمعرفته وشهوده، فكيف تعبدون أنتم الله الواحد الأحد، الصمد بلا جذب من جانبه وتوفيق من لدنه؟! وأنا أيضاً لا أعبد لمعبوداتكم الباطلة التي هي بمراحل عن رتبة الألوهية والعبودية.
وبالجملة: { لَكُمْ دِينُكُمْ } الذي أنتم عليه، وطريقكم الذي تتوجهون إليه بعدما لم يفوقكم الحق على الهداية والإيمان { وَلِيَ دِينِ } [الكافرون: 6] الذي أنا عليه، لا تتركوا دينكم بديني، ولا أنا أيضاً تارك ديني بدينكم، بل لكم دينكم ولي ديني، والتوفيق بيد الله والهداية والضلال.
خاتمة السورة
عليك أيها الموحد المحمدي الحنيف، المائل عن كل الأديان والمذاهب المنافية لصرافة شرب التوحيد ألاَّ تجالس مع أهل الغفلة والضلال، المترددين في أودية الجهلات بأنواع الخيالات الباطلة، والأوهام العاطلة المترتبة على هوياتهم العدمية وتعيناتهم الوهمية، ولا تصاحبهم في حال من الأحوال، فإن صحبتك معهم تبعدك عن الحق وتغريك نحو الباطل، فإن النفوس الإنسانية أسرع عدواً وأشد ميلاً إلى البدع والأهواء الفاسدة والآراء العاطلة الباطلة.