التفاسير

< >
عرض

فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْفَسَادِ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ
١١٦
وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ
١١٧
وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ
١١٨
إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذٰلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ
١١٩
-هود

تفسير الجيلاني

{ فَلَوْلاَ } أي: فهلا { كَانَ مِنَ ٱلْقُرُونِ } اللات خلون { مِن قَبْلِكُمْ } وفيها { أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ } أي: ذوو رأي ونهية وفضل وتدبير { يَنْهَوْنَ } برأيهم وتدبيرهم { عَنِ ٱلْفَسَادِ } الواقع { فِي ٱلأَرْضِ } ولكنا ما أبقينا عليها منهم { إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ } أي: من عقلائهم، ليتبع لهم العوام فينجوا من الآثام { وَ } مع ذلك لم يتبعوا حتى ينجوا، بل { ٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } أنفسهم بالعرض على عذا ب الله والخروج عن مقتضى حدوده بـ { مَآ أُتْرِفُواْ فِيهِ } أي: المترفهة المتنعمة من ذوي اللذات والشهوات، فاهتموا بتحصيل أسبابها { وَكَانُواْ } بميلهم إلى الهوى واللذات { مُجْرِمِينَ } [هود: 116] مستحقين لأنواع العقوبات.
{ وَمَا كَانَ رَبُّكَ } أي: ليس من سنته وجري عادته { لِيُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ } بشرك وكفر صدر عنهم { وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ } [هود: 117] أي: والحال أن أهلها مصلحون على الأرض لا مفسدون فيها؛ يعني: لا يأخذهم سبحانه بمجرد حق الله بلا انضمام حقوق العباد إليه، بل إنما أخذهم الله حين فشا الفسوق والمراء، وظهر الفساد والجدال بين العباد.
كيف { وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ } من غاية لطفه لعباده { لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } [هود: 118] متفقة على التوحيد بلا مخالفة منهم.
{ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ } وجعل فطرته على صرافة التوحيد { وَلِذٰلِكَ } التوحيد والعرفان { خَلَقَهُمْ } وجبلهم { وَ } بالجملة: { تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ } بوضع الاختلاف بين استعدادات عباده حسب تجلياته وشئونه على مقتضى أوصافه وأسمائه المتقابلة بحسب الكمال { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ } التي أُعدت للأشقياء المردودين المنحرفين عن جادة العدالة الإلهية والقسط الحقيقي { مِنَ ٱلْجِنَّةِ } أي: الشياطين { وَٱلنَّاسِ } التابعين لهم والمقتفين أثرهم { أَجْمَعِينَ } [هود: 119] أي: منهما جميعاً.