التفاسير

< >
عرض

قَالَ يٰقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ ٱلإِصْلاَحَ مَا ٱسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِيۤ إِلاَّ بِٱللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ
٨٨
وَيٰقَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِيۤ أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَآ أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ
٨٩
وَٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ
٩٠
قَالُواْ يٰشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَآ أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ
٩١
-هود

تفسير الجيلاني

{ قَالَ } شعيب بعدما تفرش بنور النبوة باستهزائهم: { يٰقَوْمِ } الساعين للباطل المصرين عليه { أَرَأَيْتُمْ } أخبروني { إِن كُنتُ } جئت لكم { عَلَىٰ بَيِّنَةٍ } مصدقة نائشة { مِّن } قبل { رَّبِّي } معجزة لجميع ما يقابلني ويعارضني { وَ } مع ذلك { رَزَقَنِي مِنْهُ } أي: من عنده سبحانه { رِزْقاً حَسَناً } معنوياً وصورياً وروحانياً وجسمانياً، فهل يليق بمثلي أن يفترى عليه، وينسب ~إليه مراء ما لم يوحَ من عنده كذباً وبهتاناً { وَ } اعلموا أيضاً أني { مَآ أُرِيدُ } بنهيي لكم عن التطفيف والتبخيس { أَنْ أُخَالِفَكُمْ } فيما أنتم عليه وأرجع بنفسي { إِلَىٰ مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ } لأستبد وأتخصص به، وهو إفساد وميل عن جادة الله لاحق وصراط الله ألأقوم، فكيف يميل الموحد المؤيد إلى أمثال هذا، بل { إِنْ أُرِيدُ } أي: ما أريد { إِلاَّ ٱلإِصْلاَحَ } مقدار { مَا ٱسْتَطَعْتُ وَ } ما أنا متكفل للصلاح أيضاً ومدع الاستقلال به { مَا تَوْفِيقِيۤ } أي: إقداري وتمكيني وحولي وقوتي { إِلاَّ بِٱللَّهِ } إذ لا حول ولا قوة بالأصالة إلا بالله لذلك { عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ } أي: وثقت والتجأت { وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } [هود: 88] وأتوجه في جميع ما رجوت؛ إذ هو مولاي ومولي أموري وعليه اعتمادي واعتضادي.
{ وَ } بعدما تفرس منهم المصيبة والمراء المفرط، قال على مقتضى الحبة والشفقة وإرخاء العنان: { يٰقَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِيۤ } أي: لا يحملنكم بغضي وعداوتي على الجرائم المستجلبة لأنواع العذاب والنكال، إني أخاف عليكم { أَن يُصِيبَكُم } بسبب جرائمكم وعصيانكم { مِّثْلُ مَآ أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ } مثل ما أصاب { قَوْمَ هُودٍ أَوْ } مثل ما أصاب { قَوْمَ صَالِحٍ } وباجملة: { وَمَا قَوْمُ لُوطٍ } وقصة استئصالهم وإهلاكهم وتقليب أماكنهم عليهم { مِّنكُم بِبَعِيدٍ } [هود: 89] متمادٍ في البعد إلى حيث يحصل لكم الذهول عنه لقرب عهدهم.
{ وَ } يا قوم { ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ } الذي أظهركم من العدم من جميع فرطاتكم { ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ } أي: اخلصوا في إنابتكم ورجوعكم، ولا تغتموا بعد إخلاص التوبة بما جرى عليكم من الجرائم { إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ } يقبل توبتكم ويعفو عن زلاتكم { وَدُودٌ } [هود: 90] يحبكم ويرحمكم ويتفضل عليكم.
وبعدما بالغ في نصحهم وإرشادهم { قَالُواْ } تسفيهاً عليه وتخويفاً: { يٰشُعَيْبُ } نادوه على سبيل الاستهزاء والاستحقار { مَا نَفْقَهُ } ونفهم ونعقل { كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ } أي: بعض هذياناتك التي تكلمت بها { وَإِنَّا } أي: وإن لم نفهم بعض كلماتك لابتنائها على الخبل والخرق { لَنَرَاكَ } في بادي الرأي { فِينَا ضَعِيفاً } في غاية الضعف والحقارة { وَ } بالجملة: { لَوْلاَ رَهْطُكَ } أي: عشائرك وأقوامك { لَرَجَمْنَاكَ } بالحجارة ألبتة بسبب هذاياناتك وذكرك آلهتنا بالسوء، ودخلك على أفعالنا مع أموالنا { وَ } أعلم يقيناً إنك بنفسك { مَآ أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ } [هود: 91] بل عزتك عندنا بسبب رهطك لكونهم إخواننا في الدين، فلا نريد أذاهم بقتلك، وإلا فلا نبالِ بك وبرحمتك.