التفاسير

< >
عرض

تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ
١
مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ
٢
سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ
٣
وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ
٤
فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ
٥
-المسد

تفسير الجيلاني

{ تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } أي: خابت وخسرت، يداه كناية عنه، وما ذلك إلاَّ أنه من غاية نخوته وغروره، بحيث هلك في نار فظيعة كنفسه الجهنمية التي خيبته خيبة أبدية وخسراناً سرمدياً حينما ظهر على رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنواع المكروه، وعارض معه على وجه لا يليق بشأنه صلى الله عليه وسلم اتكالاً على ماله وجاهه وثروته وسيادته.
وذلك لمَّا نزلت الآية الكريمة:
{ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } [الشعراء: 214] صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إلى الصفا، فنادى: "يا بني فهر، يا بني عدي، لبطون قريش حتى اجتمعوا، فقال: أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تقبل عليكم، أكنتم مصدقي؟ قالوا: نعم ما جربنا عليك إلاَّ صدقاً، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد.
فقال أبو لهب على سبيل الاستهزاء: تباً لك يا محمد، ألهذا جمعتنا؟! فنزلت: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ }"
لمجادلته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومرائه معه، وقصد استحقاره واستهانته إياه صلى الله عليه وسلم.
{ وَ } قد { تَبَّ } [المسد: 1] وهلك ذلك اللعين المفرط على الوجه الذي أخبر الله بهلاكه إلى حيث { مَآ أَغْنَىٰ } ودفع { عَنْهُ مَالُهُ } الذي يتكل عليه، ويستظهر به شيئاً من غضب الله { وَ } ما نفع له ونصر عليه { مَا كَسَبَ } [المسد: 2] وجمع من الأموال والأولاد والأتباع.
قيل: مات بالعدسة بعد وقعة بدر بأيام معدودة، وتُرك ثلاثة أيام حتى أُنتن، ثمَّ استأجروا بعض السودان حتى دفنوه، فهو إخبار عن الغيب، وقد وقع على وجهه، هذا مآل أمره في النشأة الأولى.
وفي النشأة الأخرى { سَيَصْلَىٰ } ويدخل ذلك اللعين { نَاراً } وأي نار، ناراً { ذَاتَ لَهَبٍ } [المسد: 3] واشتعال عال من شدة سورتها وفظاعتها.
{ وَٱمْرَأَتُهُ } التي تمشي بالنميمة بين الناس، وتوقد نار الفتنة والعداوة بينهم تصير هي { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } [المسد: 4] بنار جهنم، تحتطب لها من الضريع والزقوم، أو هي "حمالةُ الحطب" فيها على قراءة الرفع؛ يعني: صورت نميمتها التي قد مشيت بها في الدنيا بإيقاد نار الفتن على هذه الصورة، فتلازم عليها.
{ فِي جِيدِهَا } وعنقها { حَبْلٌ } سلسلة متخذة { مِّن مَّسَدٍ } [المسد: 5] مفتول قد فُتل من الحديد، تحمل بها الحطب مع أنها من أشراف قريش، هي وزوجها أيضاً.
خاتمة السورة
عليك أيها المعتبر المستبصر - عصمك الله من تباب الدارين وخسارهما ويوارهما - أن تتأمل في مرموزات القرآن من القصص والأحكام والعبر والأمثال، فتأخذ حظك منها مقدار ما يسر الله لك، وأودعه في وسعك وطاقتك.
فاعلم أن كل ما في القرآن إنما نزل للإرشاد والتكميل، فلك أن تأخذ من إشارات هذه السورة حسن المعاشرة وآداب المصاحبة، وحقارة مزخرفات الدنيا وما يترتب عليها من اللذات الوهمية، الساقطة عن درجة الاعتبار، الزائغة الزائلة بلا قرار ومدار.