التفاسير

< >
عرض

قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ
١
ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ
٢
لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ
٣
وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ
٤
-الاخلاص

تفسير الجيلاني

{ قُلْ } يا أكمل الرسل لمن سأل عنك بقوله: صف لنا ربك ألذي تدعونا إلى الإيمان به وعبادته: { هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } [الإِخلاص: 1] أي: هو الذات المتصف بالألوهية الغيبية والشهادة، المتعالية عن كليهما بحسب ذاته المتصفة بالألوهية والربوبية، المستجمعة لجميع شرائط الكمال حسب الأسماء والصفات الكاملة، الكامنة في تلك الذات المتصفة بالأحدية المطلقة المنزهة عن التعدد والكثرة مطلقاً، المستقل في الوجود والحياة والقيومية المستلزمة للديمومية والبقاء الأزلي الأبدي السرمدي، الذي كان لا يكال بقاؤه ودوامه بمطلق الموازين والمقادير، ولا يحيط به وبقيوميته مطل التدابير والتقادير.
فكيف كان سبحانه محلاً للتقدير؛ إذ هو { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } [الإِخلاص: 2] أي: السيد السند الذي يقصد نحوه ويرجع إليه عموم ما ظهر وبطن من الكوائن والفواسد الكائنة في نشأتي الغيب والشهادة، والأولى والأخرى، وهو في ذاته مستغن عن جميعها مطلقاً.
وكيف لا يكون مستغنياً؛ إذ هو الله الذي { لَمْ يَلِدْ } إذ الإيلاد إنما هو للأخلاف وخوف الانعدام والانقضاء، وهو سبحانه بمقتضى قيوميته ووجوب وجوده ودوام بقائه لا يطرأ عليه أمثال هذه النقائص المستلزمة لضبط العاقبة والمآل؛ إذ لا يجر عليه انقضاء وانتقال { وَ } كذا { لَمْ يُولَدْ } [الإِخلاص: 3] لذلك؛ إذ كل ما ظهر وبطن، أزلاً وأبداً إنما هو منه وبه وله وفيه، وكل ما فُرض من الموجود أزلاً وأبداً ما هو خارج عن حيطة أظلال أسمائه وعكوس صفاته، فكيف يتصور أن يسبقه شيء هو غيره مع أنه لا غير في الوجود مطلقاً حتى يلده.
{ وَ } باجملة: هو سبحانه منفرد في توحده، متوحد في انفراده، ومستقل في استقلاقه، بحيث { لَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } [الإِخلاص: 4] لا قبله ولا بعده، بل لا إله سواه، ولا موجود غيره.
خاتمة السورة
عليك أيها الموحد المحمدي المنكشف بالتوحيد الذاتي - مكنك الله في مقر عزك وتمكينك - أن تصرف عنان عزمك وهمتك بعدما كوشفت بتوحيده الذاتي وكمالات أسمائه وصفاته نحو سوابغ آلائه ونعمائه الفائضة منه سبحانه حسب رقائق أسمائه الحسنى وأوصافه العظمة، وتشاهد آثار قدرته الغالبة التي تتحير منه العقول والآراء.
وإياك إياك أن تغفل عن الله طرفة، فإنها تورثك حسرة طويلة؛ إذ كل نفس من النفسات الإلهية التي جرت عليك في أوقات حياتك مشتملة على عجائب صنع الله وبدائع حكمته المتقنة البالغة، بحيث ما مضى مثلها أزلاً ولا سيأتي شبهها أبداً، فعليك أن تغتنم الفرصة وتتعرض للنفحات الإلهية، ولا يشغلك شيء منها.
جعلنا الله من المتعرضين بنفحات الحقن المستنشقين من نسمات روحه وراحته بمنِّه وجوده.