التفاسير

< >
عرض

رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ ٱلْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي ٱلدُّنُيَا وَٱلآخِرَةِ تَوَفَّنِى مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِٱلصَّالِحِينَ
١٠١
ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوۤاْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ
١٠٢
وَمَآ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ
١٠٣
وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ
١٠٤
-يوسف

تفسير الجيلاني

ثم دعا يوسف عليه السلام لنفسه وناجى مع ربه مناجاة صاردة عن محض الحكمة والذكاء والفطنة بقوله: { رَبِّ } يا من رباني بلطفك وفضلك بأنواع التربية والنعم إلى حيث { قَدْ آتَيْتَنِي } وأعطيتني { مِنَ ٱلْمُلْكِ } الظاهر أي: الحكومة المتعلقة بعالم الشهادة { وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ } أي: العبور من الحوادث الكائنة في عالم الشهادة إلى ما في عالم الغيب من الصور المقتضية إياها { فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي: عالم الأسماء التي انعكست منها هذه الأظلال الهالكة الشهادية { أَنتَ } بذاتك بعدما تحققت بتوحيدك وانكشفت به، ورفعت الحجب بيني وبينه { وَلِيِّي } ومولى أمورري وحامل أسراري { فِي ٱلدُّنُيَا وَٱلآخِرَةِ } أي: في النشأة الأولى والأخرى { تَوَفَّنِى } اقبضني { مُسْلِماً } مسلماً مفوضاً جميع أموري إليك { وَأَلْحِقْنِي } بلطفك { بِٱلصَّالِحِينَ } [يوسف: 101] الذين أصلحوا نفوسهم في النشأة الأولى والأخرى حتى يفوزوا من عندك بشرف اللقيا.
{ ذَلِكَ } المذكور من قصة يوسف وما جرى بينه وبين إخوته وبين امرأة العزيز وغير ذلك من الوقائع الهائلة، الواقعة على يوسف وعلى أبيه وأخيه من حسد إخوتهما { مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْغَيْبِ } أي: من الإخبارات التي سترت عنك يا أكمل الرسل { نُوحِيهِ إِلَيْكَ } إي: نعلمك بالوحي والإلهام، ومحقق مسلَّم عند ذوي العقول { وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ } وعندهم وفي جمعهم وقت { إِذْ أَجْمَعُوۤاْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ } [يوسف: 102] أي: يقصدون المكر والخداع مع يوسف وأبيه، بعدما شاوروا كثيراً من إهلاك يوسف وإبعاده من عند أبيه واستقرار رأيهم بد تكرر المشاورة على ما فعلوا به واتفقوا عليه، وما أنت أيضاً من أهل الإملاء والنسخ أن تضبط قصصهم من التواريخ، ولا من أهل التعلم المستفيد من الغير، بل ما هو إلا وحي يوحى إليك من عندنا.
{ وَمَآ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ } الذين يترددون بين يديك { وَلَوْ حَرَصْتَ } بإيمانهم وإذعانهم { بِمُؤْمِنِينَ } [يوسف: 103] لك مصدقين لما جئت به من عند ربك.
{ وَ } ما عرض لهم ولحق لنفوسهم من الغفلة لم يقبلوا ما قلت لهم؛ إذ { مَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ } أي: على تبليغ ما جئت به من عند الله { مِنْ أَجْرٍ } جُعلٍ ومال من حطام الدنيا كما يفعله حملة الأخبار ومتفقهة الزمان والمتشيخة من أهل التلبيس، بل { إِنْ هُوَ } أي: ما هذا القرآن وما فيه من العبر والأحكام والقصص المستلزمة لأنواع المواعظ والتذكيرات { إِلاَّ ذِكْرٌ } عام، وفائدة جليلة شاملة { لِّلْعَالَمِينَ } [يوسف: 104].