التفاسير

< >
عرض

قَالُوۤاْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ
٧٧
قَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ
٧٨
قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ إِنَّـآ إِذاً لَّظَالِمُونَ
٧٩
فَلَمَّا ٱسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيّاً قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوۤاْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَّوْثِقاً مِّنَ ٱللَّهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ ٱلأَرْضَ حَتَّىٰ يَأْذَنَ لِيۤ أَبِيۤ أَوْ يَحْكُمَ ٱللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَاكِمِينَ
٨٠
-يوسف

تفسير الجيلاني

ثم لما شاهدوا استخراج الوعاء من رجل بنيامين اضطبروا اضطراباً شديداً وتحزنوا حزناً غيظاً { قَالُوۤاْ } مغاضبين عليه مريدين مقته: { إِن يَسْرِقْ } هذا اللئيم، فلا تعجبوا منه؛ إذ هي من ديدنة أخيه سربت عليه { فَقَدْ سَرَقَ } مثله { أَخٌ لَّهُ } أكبر منه { مِن قَبْلُ } من أوان طفوليته يريدون يوسف.
قيل: ورثت عمة يوسف من أبيها منطقة إبرايهم، وكانت تحضن يوسف وتحبه، فلما شب أراد يعقوب انتزاعه منها، فلم ترض العمة، فشدت المنطقة على وسطه ثم أظهرت ضياعها، فتفحص عنها فوجدتها مشدودة في وسطه، فتحاكموا فصارت أحق به في دينهم.
فلما سمع يوسف منهم ما سمع { فَأَسَرَّهَا } وكتمها { يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ } ولم يظهر الإنكار عليهم بل أضمر حيث { قَالَ } في نفسه وسره: { أَنْتُمْ } أيها المسرفون { شَرٌّ مَّكَاناً } أي: خصلة ومنزلة وشأناً { وَٱللَّهُ } المطلع لأحوال عباده { أَعْلَمُ } منكم { بِمَا تَصِفُونَ } [يوسف: 77] وتشرحون بألسنتكم افتراء ومراء.
ثم لما جزم العزيم بأخذ أخيه على جريمة السرقة واسترقاقه إلى سنة { قَالُواْ } متضرعين متذللين منادين له على وجه الخضوع راجين من قبوله: { يٰأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ } أدام الله عزك { إِنَّ لَهُ } أي: لهذا المفسد السارق { أَباً شَيْخاً كَبِيراً } في السن والمرتبة؛ إذ هو نبي من الأنبياء، ضرير من فراق ابنه الهالك، يتسلى قلبه ويزول وحشته لمؤانسته هذا المسرف مع أنا حلفنا معه وآتيناه موثقاً عظيماً أن نرجع فيه { فَخُذْ } من جاهك وإحسانك { أَحَدَنَا مَكَانَهُ } أي: بدله بواحد منا لنخدم في بابك، وأطلقه لنذهب به غلى أبيه الضرير الضعيف؛ لئلا يستوجش ولا نحنث في حلفنا { إِنَّا نَرَاكَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } [يوسف: 78] المتعودين للإحسان، المتمرنين فيه، فتعم علينا وعلى الشيخ الضعيف إحسانك وامتنانك.
{ قَالَ } يوسف: { مَعَاذَ ٱللَّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ } يعني: نعوذ بالله أن نأخذ غير السارق بدله ظلماً لمصلحتكم { إِنَّـآ } وإن فعلنا مثل ما التمستم من كنا { إِذاً لَّظَالِمُونَ } [يوسف: 79] خارجون عن حدود الله بلا إذن شرعي.
{ فَلَمَّا ٱسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ } ومن تبديدله { خَلَصُواْ } وخرجوا من عنده { نَجِيّاً } متناجين في نفوسهم بأن ما عليه العزيم هو الحق؛ لأ أخذ البريء بدل المجرم ظلم صريح، ثم لما صمموا العزم إلى الرجوع وآيسوا من بنيامين { قَالَ كَبِيرُهُمْ } رأياً وسناً، وهو روبيل أو شمعون: { أَلَمْ تَعْلَمُوۤاْ } أيها المسرفون { أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَّوْثِقاً } عظيماً وعهداً وثيقاً { مِّنَ ٱللَّهِ } القادر المقتدر على أنواع الغضب والانتقام أن ترجعوا به { وَ } أيضاً لم تستحيوا من الله ولم تتذكروا { مِن قَبْلُ } في سالف الزمان { مَا فَرَّطتُمْ فِي } حق { يُوسُفَ } من الإذلال والزجر التام والألم المفرط والإلقاء في الجب وبيعه رقيقاً، وغير ذلك من أنوا الأذبات معه، وأنتم ما استحييتم من الله، تدعون وراثة الأنبياء وتنسبون أنفسكم إليهم وبعد اللتيا والتي فعلتم بأخيه أيضاً هذا { فَلَنْ أَبْرَحَ ٱلأَرْضَ } أي: لا أزول عن أرض مصر { حَتَّىٰ يَأْذَنَ لِيۤ أَبِيۤ أَوْ يَحْكُمَ ٱللَّهُ لِي } بالخروج منها { وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَاكِمِينَ } [يوسف: 80].