كيف يرجعون إلى غير الله ويستردون مراده سبحانه مع أنه {هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ} بغتة ويورث منه فيكم {خَوْفاً} من أن تصابوا به {وَطَمَعاً} بما هو مستتبع له من المطر {وَ} أيضاً {يُنْشِىءُ} من الأبخرة المتصاعدة {ٱلسَّحَابَ} المتراكم من الأبخرة {ٱلثِّقَالَ} [الرعد: 12] بالمياه المتكثرة.
{وَ} حين إراءة البروق وإنشاء السحب {يُسَبِّحُ ٱلرَّعْدُ} المتكون من اصطكاك الأبخرة والأدخنة المحتبسة بين السحب المتراكمة {بِحَمْدِهِ} أي: بحمد الله، بإلقاء الملائكة الموكلين عليه، المعاقبين الممدين له {وَٱلْمَلاَئِكَةُ} أيضاً يسبحون بحمده {مِنْ خِيفَتِهِ} أي: من خوف الله وسطوة جلاله وقهره {وَ} أيضاً {يُرْسِلُ ٱلصَّوَاعِقَ} الكائنة من الأبخرة والأدخنة المحترقة بالأجزاء النارية {فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ} إهلاكه وقتله زجراً له وانتقاماً عليه {وَهُمْ} من غاية ضعفهم وعدم قدرتهم وقوتهم {يُجَٰدِلُونَ} ويكابرون {فِي} توحيد {ٱللَّهِ} وفيما جاءت به رسله من عنده من الأوامر والنواهي المتعلقة بالنشأة الأولى والأخرى {وَ} الحال أن لكمال قدرته وبسطته وسلطنته القاهرة وجلاله {هُوَ شَدِيدُ ٱلْمِحَالِ} [الرعد: 13] صعب المكابدة والانتقام لن جادل معه وكذب رسله بالباطل.
لكن {لَهُ دَعْوَةُ ٱلْحَقِّ} أي: قبولها وإجابتها وإنجاحها لمن دعا بها، مخلصاً في دعائه وتوجهه نحو الحق {وَ} المشركون {ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ} أي: من دون الله من الأصنام والأوثان {لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ} قليل مما يطلبونه، بل ما مثلهم في دعوة الأصنام ودعائهم إياهم {إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى ٱلْمَآءِ} أي: كمثل عطشان بسط كفيه إلى الله يدعوه {لِيَبْلُغَ فَاهُ} ويرويه {وَ} الحال إنه غائر عميق {مَا هُوَ بِبَالِغِهِ} وبسبب ذلك زاد عطشه وحرقة قلبه وزفره صدره، كذلك المشركون يدعون إلى أصنامهم؛ ليشفعوا لهم ويصلوا إلى مرامهم، وهم جماد لا يقدرون على الاتصال والقبول أصلاً {وَ} بالجملة: {مَا دُعَآءُ ٱلْكَافِرِينَ} الساترين بأباطيلهم وأوثانهم نور الحق الحقيق بالحقية، الوحيد في الألوهية، الفريد بالعبودية {إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ} [الرعد: 14] خسران وحرمان وخذلان وبطلان.
{وَ} كيف يتوجه ويدعي لغير الحق، مع أنه لا إله إلا الله، هو ولا شيء سواه؛ إذ {لِلَّهِ} المتأصل في الوجود، المتصف بالقيومية، لا لغيره من الأظلال الهالكة في أنفسها {يَسْجُدُ} أي: يتذلل ويتضرع {مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ} أي: عالم الأسماء والصفات المسمى بالأعيان الثابتة {وَ} من في {ٱلأَرْضِ} أي: عالم الطبيعة من الصور والهياكل المنعكسة من الأسماء والصفات {طَوْعاً} أي: طائعين راغبين عن خبرة واستبصار {وَكَرْهاً} كارهين عن حيرة وضلال {وَ} أيضاً يسجد له {ظِلالُهُم} أي: لوازم هوياتهم وما يترتب علياه ملتبسين {بِٱلْغُدُوِّ} أي: أول الظهور والبروز {وَٱلآصَالِ} [الرعد: 15] أي: وقت الانمحاء والانقضاء.