التفاسير

< >
عرض

جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ
٢٣
سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ
٢٤
وَٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوۤءُ ٱلدَّارِ
٢٥
ٱللَّهُ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَنْ يَشَآءُ وَيَقَدِرُ وَفَرِحُواْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَمَا ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ
٢٦
وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِيۤ إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ
٢٧
ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ٱللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ
٢٨
-الرعد

تفسير الجيلاني

ومن جملتها: { جَنَّاتُ عَدْنٍ } أي: دار إقامة وخلود { يَدْخُلُونَهَا } هم أصالة واستحقاقاً { وَ } يدخل أيضاً بشفاعتهم وتبعيتهم { مَنْ صَلَحَ } لصحبتهم ورفاقهم { مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ } ومن ينتمي إليهم { وَ } حين استقروا وتمكنوا فيها يزورهم { المَلاَئِكَةُ } ترحيباً وتعظيماً { يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ } [الرعد: 23] من أبواب الجنة.
قائلين: { سَلاَمٌ عَلَيْكُم } أيها الفائزون بالفلاح والنجاح { بِمَا صَبَرْتُمْ } في دار الابتلاء لأنواع المحن والبلاء { فَنِعْمَ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ } [الرعد: 24] أي: منزلكم ومنقلبكم في دار القرار وعواقب أموركم فيها من الفرح الدائم والسرور المستمر.
ثم بين سبحانه على مقتضى سنته من تعقيب عواقب حسن الأبرار بقبح أحوال الأسرار عواقبهم بقوله: { وَٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ ٱللَّهِ } الذي عهدوا معه في بدء الوجود وأصل الفطرة { مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ } مع وثاقته وأحكامه { وَ } مع ذلك { يَقْطَعُونَ } ويتركون { مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ } ويحافظ عليها { وَيُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ } بأنواع الفسادات من الظلم والزور والافتراء والمراء والمكابرة مع الأنبياء والأولياء، وسوء الظن مع أرباب المحبة والولاء { أُوْلَـٰئِكَ } المعزولون عن ساحة عن القبول { لَهُمُ ٱللَّعْنَةُ } أي: الطرد والحرمان والرد والخذلان في النشاة الأولى { وَلَهُمْ سُوۤءُ ٱلدَّارِ } [الرعد: 25] ورداءة المرجع والمآب في النشأة الأخرى.
ثم لما افتخر أهل مكة بما عندهم من الأمتعة والزخارف وبأهوائها، واستحقوا فقراء المؤمنين وشنعوا عليهم، ردَّ عليهم بكلام ناشئ عن محض الحكمة فقال: { ٱللَّهُ } المطلع لاستعدادات عباده { يَبْسُطُ } أي: يكثر ويوسع { ٱلرِّزْقَ لِمَنْ يَشَآءُ } من عباده في النشأة الأولى { وَيَقَدِرُ } أي: يقبض وينقص على من يشاء إرادة واختبار؛ حمكة منه وتدبيراً { وَ } هم بمفاخرهم ومباهاتهم بحطام الدنيا قد { فَرِحُواْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } المستعارة التي لا قرار لها ولا ثبات بل { وَمَا ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا } وما يترتر عليها من اللذات الفانية والمشتهيات الغير الباقية { فِي } جانب حياة { ٱلآخِرَةِ } وما يترتب عليها من اللذات الدائمة والمئويات الباقية { إِلاَّ مَتَاعٌ } [الرعد: 26] قليل حقير، لائق به ولا يلتفت إليه.
{ وَ } من خبث طينتهم ورداءة فطرتهم { يَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بك وبكتابك وبدينك: { لَوْلاَ } أي: هلا { أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ } ملجئة لإيماننا { مِّن رَّبِّهِ } مع أنه يدعي التأييد منه، ومع شغفه لإيماننا { قُلْ } لهم: ما عليَّ إلا البلاغ { إِنَّ ٱللَّهَ } المطلع لضمائر عباده { يُضِلُّ مَن يَشَآءُ } على مقتضى علمه وعدله لمن اراد إضلاله وانتقامه { وَيَهْدِيۤ إِلَيْهِ } على مقتضى جوده { مَنْ أَنَابَ } [الرعد: 27] إليه من ظهر القلب؛ إذ كلي ميسر لما خلق له.
{ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بتوحيد { وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ } أي: تسكن وتستقر من دغدغة التقليد الباطل والتلوين المضمحل الزائل { بِذِكْرِ ٱللَّهِ } الواحد الأحد، المستقل في الوجود بلا اضطراب وتعدد وتردد، فقد اضمحلت وتلاشت عن صحائف خواطرهم نقوش الاعتبار والسوى مطلقاً { أَلاَ } أيها الطالبون إلى مرتبة الكشف و الشهود { بِذِكْرِ ٱللَّهِ } المسقط للإضافات { تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ } [الرعد: 28] وتتمكن في مقام الحضور وتستريح عن تشاويش الأوهام.