{ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } في أوائل سلوكهم وطلبهم { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } المقربة لهم إلى مطلوبهم { طُوبَىٰ لَهُمْ } الفوز بالفلاح والنجاح { وَحُسْنُ مَآبٍ } [الرعد: 29] وهو التحقق بمقام الكشف والشهود.
{ كَذَلِكَ } أي: مثل إرسالنا الرسل على الأمم الماضية على مقتضى سنتنا القديمة { أَرْسَلْنَاكَ } يا أكمل الرسل { فِيۤ أُمَّةٍ } منحرفة عن طريق الحق، وليس إرسالك عليهم ببدع { قَدْ خَلَتْ } ومضت { مِن قَبْلِهَآ أُمَمٌ } أمثالهم مائلون عن طريق الحق وسواء السبيل، وإنما أرسلناك { لِّتَتْلُوَاْ عَلَيْهِمُ } وتبلغهم { ٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ } من المعارف والحقائق والآداب والأخلاق المرضية المقبولة في جنابنا، المودعة في استعدادات عبادنا؛ ليفوزوا بها سعة رحمتنا وجودنا { وَهُمْ } لانهماكهم في الغفلات والشهوات { يَكْفُرُونَ } وينكرون { بِٱلرَّحْمَـٰنِ } الذي وسع كل شيء رحمة وعلماً { قُلْ } يا أكمل الرسل للمنكرين الغافلين تنبيهاً عليهم وتبليغاً، وإن كانوا من الحمقى الهالكين في تيه الغفلة والنسيان { هُوَ رَبِّي } وربكم ومولى أمري وأموركم { لاۤ إِلَـٰهَ } في الوجود يعبد له ويرجع إليه في الوقائع { إِلاَّ هُوَ } الواحد الأحد، الصمد الفرد، الذي لا شريك له { عَلَيْهِ } لا على غيره من الأظلال { تَوَكَّلْتُ } في جميع أموري { وَإِلَيْهِ } لا إلى غيره من الأسباب والوسائق { مَتَابِ } [الرعد: 30] أي: مرجعي ومعادي.
{ وَ } بالجملة: { لَوْ أَنَّ قُرْآناً } بمثابة لو قرأت { سُيِّرَتْ } وتحركت { بِهِ ٱلْجِبَالُ } عن مكانها الأصلي وأندكت { أَوْ قُطِّعَتْ } أي: انصدعت وانشقت { بِهِ ٱلأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ ٱلْمَوْتَىٰ } عند قراءته عليهم واستماعهم له { بَل للَّهِ ٱلأَمْرُ } أي: القدرة الكاملة والحول التام والقوة الغالبة في الأمور المذكورة { جَمِيعاً } له سبحانه، إن تعلق إرادته ومشيئته لكان ألبتة مع ذكر ما ذكر من الأمور، لم يؤمنوا به ولم يقلبوه منك؛ لشدة شكيمتهم وكمال قسوتههم { أَفَلَمْ يَيْأَسِ } ولم يقنط { ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } عن إيمان أولئك المدبرين المعاندين، مع ظهور أمارات الكفر عليهم وعلامات الإكار عنهم، سيما بعدما سمعوا في حقهم من الله ما سمعوا، ولم يعلم هؤلاء المؤمنون { أَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ } وتعلق إرادته بهداية الكل { لَهَدَى ٱلنَّاسَ جَمِيعاً } فلم يهدهم لعدم تعلق إرادته بهدايته البعض { وَ } لا تقنطوا أيها المؤمنون عن نصر الله إياكم على أعدائكم ولا تيأسوا عن روحه؛ إذ { لاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } وأصروا على الكفر عناداً واستكباراً { تُصِيبُهُم } وتدور عليهم { بِمَا صَنَعُواْ } أي: بصنيهم هذا وإصرارهم عليه { قَارِعَةٌ } داهية هائلة تقرع أسماعهم، وتضطربهم اضطراباً شديداً { أَوْ تَحُلُّ } وتنزل الداهية العظيمة في أحوالهم { قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ } ومساكنهم لتدور عليهم { حَتَّىٰ يَأْتِيَ وَعْدُ ٱللَّهِ } الذي وعده لنبيه بأن ينتقم عنهم ويعذبهم عذاباً شديداً في الدنيا والآخرة، في الدنيا بالفتح والظفر عليهم، وفي الآخرة بأنواع العقاب والنكال { إِنَّ ٱللَّهَ } المؤيد لأنبيائه، المنجز لما وعدهم من إهلاك أعدائهم { لاَ يُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ } [الرعد: 31].