التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ ٱلشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ ٱلأَمْرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوۤاْ أَنفُسَكُمْ مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٢٢
وَأُدْخِلَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ
٢٣
-إبراهيم

تفسير الجيلاني

{ وَقَالَ ٱلشَّيْطَانُ } أي: الأهوية الفاسدة المفسدة لهم في شأنهم الأولى مصورة على صورة الشيطان المغوي { لَمَّا قُضِيَ ٱلأَمْرُ } أي: بعد استقرار أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار: { إِنَّ ٱللَّهَ } المصلح المدبر لأحوال عباده { وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ } هذا اليوم الذي به تؤاخذون فيه { وَوَعَدتُّكُمْ } ضلالاً وإغراء لكم بخلافه { فَأَخْلَفْتُكُمْ } ما وعد به ربكم مع أن إنجازه مقطوع به لا شك فيه أصلاً، وابتعتم قولي مع أنه غرور وإضلال لا يرجى إنجازه مني أصلاً وأنتم جازمون به { وَ } الحال أنه { مَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ } حجة مرجحة وأدلة ملجئة { إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ } أي: سوى أن دعوتكم على مقتضى أهويتكم وأمنيتكم التي تقتضيها هويتكم وماهيتكم، ومع ذلك { فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي } وصدقتم قولي بلا تردد ومماطلة طوعاً ورغبة.
{ فَلاَ تَلُومُونِي } اليوم { وَلُومُوۤاْ أَنفُسَكُمْ } الباعثة الداعية على متابعتي مع جزمكم بمكري وعداوتي { مَّآ أَنَاْ } اليوم { بِمُصْرِخِكُمْ } أي: مغيثكم ومعينكم، وإن ادعيت فيمامضى تغريراً وتلبيساً { وَمَآ أَنتُمْ } أيضاً { بِمُصْرِخِيَّ } إذا انكشف الحال وانقطعت علاقة المحبة بيننا، وصارت كل نفس رهينة بما كسبت { إِنِّي } اليوم بعد انكشاف السرائر والضمائر { كَفَرْتُ } أي: تبرأت وأنكرت { بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ } أي: بإشراككم معي في إشراك الله الواحد الأحد الصمد، الذي لا شريك له أصلاً { مِن قَبْلُ } في دار التلبيس والتزوير والإغواء والتغرير { إِنَّ ٱلظَّالِمِينَ } الخارجين عن مقتضيات أوامر الله ونواهيه عداوناً وزوراً { لَهُمْ } اليوم { عَذَابٌ أَلِيمٌ } [إبراهيم: 22] مؤلم أشد الإيلام.
ثم بيَّن سبحانه على مقتضى سنته المستمرة بعدما بين أحوال الهالكين المنهمكين في تيه العتو والعناد، وفظاعة أمرهم في يوم الجزاء مآل المؤمنين الناجين عن تغريرات الدنيا الدنية وتسويلات الشياطين الغوية فيها.
فقال: { وَأُدْخِلَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بتوحيد الله وتصديق كتبه ورسله { وَ } مع ذلك { عَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } التي هي نتائج الإيمان { جَنَّاتٍ } متنزهات من العلم والعين والحق { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } لتنبت في أراضي استعداداتهم وقابلياتهم ما لاعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر من المكاشفات والمشاهدات الخارجة عن طريق البشر، ومع ذلك { خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ } أي: برضاه وتوفيقه وتيسيره { تَحِيَّتُهُمْ } من قبل الحق بلسان الملائكة حتن ملاقاتهم { فِيهَا سَلاَمٌ } [إبراهيم: 23] لأنهم مسلمون منقادون مسلمون أمورهم كلها إلى الله.