التفاسير

< >
عرض

إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ
٤٢
وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ
٤٣
لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ
٤٤
إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ
٤٥
ٱدْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ
٤٦
وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَٰناً عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَـٰبِلِينَ
٤٧
لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ
٤٨
نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ
٤٩
وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ ٱلْعَذَابُ ٱلأَلِيمُ
٥٠
وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ
٥١
إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاماً قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ
٥٢
قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ
٥٣
قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَىٰ أَن مَّسَّنِيَ ٱلْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ
٥٤
قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِٱلْحَقِّ فَلاَ تَكُن مِّنَ ٱلْقَانِطِينَ
٥٥
قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ ٱلضَّآلُّونَ
٥٦
قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا ٱلْمُرْسَلُونَ
٥٧
قَالُواْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ
٥٨
-الحجر

تفسير الجيلاني

{ إِنَّ عِبَادِي } الذين هم تحت قبابي { لَيْسَ لَكَ } أيها المضل المغوي { عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ } أي: استيلاء وغلبة { إِلاَّ مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ } [الحجر: 42] الضالين بإغوائك عن منهج اليقين، وهم وإن كانوا من جنسهم صورةً ليسوا منهم حقيقةً.
{ وَإِنَّ جَهَنَّمَ } البعد والخذلان { لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ } [الحجر: 43] أي: تابعاً ومتوبعاً.
{ لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ } على عدد مداخلها من الشهوات السبعة المقتضية إياها، المذكورة في كريمة
{ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَاتِ مِنَ ٱلنِّسَاءِ وَٱلْبَنِينَ } [آل عمران: 14].
{ لِكُلِّ بَابٍ } من الأبواب السبعة الجهنمية { مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ } [الحجر: 44] أي: طائفة مفروزة منهم بالدخول من كل بابٍ، وإن كان الكل شريكاً في الكل.
ثمَّ قال سبحانه على مقتضى سنته المستمرة: { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ } المخلِّصين نفوسهم عن وسوسة الشياطين { فِي جَنَّاتٍ } منتزهاتٍ من العلم والعين والحق { وَعُيُونٍ } [الحجر: 45] جاريات من زلال الحقائق والمعارف، صافياتٍ عن كدر الرياء ودرن التقليدات.
ويقول لهم الملائكة حين وجدانهم متصفين بحيلة التقوى: { ٱدْخُلُوهَا بِسَلامٍ } أي: سالمين عن شدائد الحساب وصعوبته { آمِنِينَ } [الحجر: 46] عن خوف العذاب والعقاب.
{ وَ } كيف لا يكونون سالمين آمنين؛ إذ { نَزَعْنَا } وأخرجنا بنور الإيمان والتوحيد { مَا فِي صُدُورِهِم } وضمائرهم { مِّنْ غِلٍّ } أي: حقدٍ وحسدٍ متمكن في نفوسهم، متعلق لبني نوعهم حتى صاروا { إِخْوَٰناً } أصدقاء متكئين { عَلَىٰ سُرُرٍ } متساوية من الصداقة { مُّتَقَـٰبِلِينَ } [الحجر: 47] متناظرين مطالعين كل منهم في مرآة أخيه محامد أخلاقه، ومحاسن شيمه.
{ لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ } [الحجر: 48] حتى يخافوا منه، بل هم فيها خالدون مخلدون، مستمرون ما شاء الله.
ثمَّ قال سبحانه تسليةً لعموم عباده، وتبشيراً لهم بسعة فضله ورحمته: { نَبِّىءْ } أي: أخبر وأعلم يا أكمل الرسل المبعوث على كافة الأمم عموم { عِبَادِي } مؤمنهم وكافرهم، مطيعهم وعاصيهم { أَنِّي } من كمال برّي ومرحمتي إياهم { أَنَا ٱلْغَفُورُ } المبالغ في الستر والعفو لمن استرجع إلي، واستغفر عن ظهر القلب، وأناب عن محض الندم { ٱلرَّحِيمُ } [الحجر: 49] لهم، أرحمهم وأقبل منهم توبتهم، وأعفو عنهم زلتهم.
{ وَ } أي: محنة وعناء حتى يشوشوا بها { وَمَا هُمْ مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ } نبئهم أيضاً { أَنَّ عَذَابِي } وانتقامي وبطشي على من أصر على عنادي، واستمر على ترك طاعتي وانقيادي { هُوَ ٱلْعَذَابُ ٱلأَلِيمُ } [الحجر: 50] المؤلم المستمر الذي لا نجاة لأحد فيه.
{ وَ } إن أنكروا على إنعامي وانتقامي { نَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ } [الحجر: 51] تبييناً وتوضيحاً لهم.
وقت { إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ } جرد مرد، صباح ملاح { فَقَالُواْ } ترحيباً وتكريماً: { سَلاماً } أي: نسلم عليك سلاماً، ثمَّ لما تفرس إبراهيم بنور النبوة أنهم ملائكة جاءوا بأمر خطير { قَالَ } على سبيل المخالفة: { إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ } [الحجر: 52] أي: خائفون؛ لأنهم جاءوا هفوة، ودخلوا عليه بغتة بلا إذن واستئذان على عادة المسافرين، ولا يظهر عليه أثر السفر.
{ قَالُواْ } آمناً له، وتسكيناً لخوفه واضطرابه: { لاَ تَوْجَلْ } منَّا { إِنَّا نُبَشِّرُكَ } من عند ربك { بِغُلامٍ عَلِيمٍ } [الحجر: 53] قابل للنبوة والرسالة، والحكمة الكاملة.
{ قَالَ } إبراهيم عليه السلام متأوهاً آيساً، مستفهماً على سبيل الاستبعاد: { أَبَشَّرْتُمُونِي } أيها المبشرون في زمانٍ قد انقطع الرجاء فيه عادةً { عَلَىٰ أَن مَّسَّنِيَ ٱلْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ } [الحجر: 54] المانع من الاستيلاء والاستنماء العادي؛ إذ هو في سنٍ قد انقطعت الشهوة عنه، وعن زوجته أيضاً؛ إذ هما في سن الهرم والكهولة.
{ قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ } ملتبساً { بِٱلْحَقِّ } المطابق للواقع بإذن الحق، وعلى مقتدى قدرته الكاملة بإيجاد شيء بلا سبق السبب العادي له { فَلاَ تَكُن } أيها النبي المتمكن في مقام الرضا والتسليم، المسند المفوِّض جميع الحوادث الكائنة في علام الكون والفساد إلى الفاعدل المختار بلا اعتبار الوسائل والأسباب { مِّنَ ٱلْقَانِطِينَ } [الحجر: 55] الجازمين بفقدان الشيء عند فقدان أسبابه العادية.
{ قَالَ } مستبعداً مستوحشاً: { وَمَن يَقْنَطُ } وييأس { مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ } التي وسعت كل شيء على مقتضى جوده تفضلاً بلا سبق استحقاق واستعدادٍ أسباب { إِلاَّ ٱلضَّآلُّونَ } [الحجر: 56] المقيَّدون بسلاسل الأسباب الطبيعية، وأغلال الوسائق الهيولانية، ونحن معاشر الأنبياء لا نقول بأمثال هذه الأباطيل الزائغة.
ثمَّ لما جرى بينهم ما جرى { قَالَ } ابراهيم عليه السلام على مقتضى نفوسه منهم: { فَمَا خَطْبُكُمْ } أي: أمركم العظيم الذي جئتم لأجله { أَيُّهَا ٱلْمُرْسَلُونَ } [الحجر: 57] المهيبون؟.
{ قَالُواْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ } [الحجر: 58] خارجين عن مقتضى العقل والشرع والطبع؛ إذ فعلتهم الفاحشة الشنيعة مما يستقبحه ويستكرهه العقول والطباع مطلقاً، فكيف الشرع، فنلهكهم اليوم بالمرة على مقتضى أمر الله وقدره.