التفاسير

< >
عرض

وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
٧٨
أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ ٱلطَّيْرِ مُسَخَّرَٰتٍ فِي جَوِّ ٱلسَّمَآءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱللَّهُ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لأَيٰتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
٧٩
وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّن جُلُودِ ٱلأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَآ أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَىٰ حِينٍ
٨٠
وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ
٨١
فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ
٨٢
يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْكَافِرُونَ
٨٣
وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ
٨٤
وَإِذَا رَأى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلْعَذَابَ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ
٨٥
-النحل

تفسير الجيلاني

{ وَ } كيف ينتهي قدرته؛ إذ { ٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ } وأنتم خاوون عن العلوم كلها، بحيث { لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً } من المعلومات أصلاً { وَجَعَلَ لَكُمُ } أسباباً وأدوات تعلمون بها أنواعاً من العلوم، هيأ لكم { ٱلْسَّمْعَ } لإدراك المسموعات الجزئية { وَٱلأَبْصَارَ } لإدراك المبصرات الجزئية { وَٱلأَفْئِدَةَ } لإدراك الكليات والجزئيات، والمناسبات والمباينات الواقعة بين العلوم والإدراكات، كل ذلك بقدرة الله وإرادته، وفضله وجُوده { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [النحل: 78] يعني: رجاء أن تعدُّوا نِعمَ منعمكم عليكم في شئونكم وتطوراتكم، وتواظبوا على شكرها؛ كي تعرفوا ذاته، وتصلوا إليه.
{ أَلَمْ يَرَوْاْ } ولم ينظروا { إِلَىٰ } جنس { ٱلطَّيْرِ } كيف صارت { مُسَخَّرَٰتٍ } مذللاتٍ للطيران والسيران بريشت واضحة { فِي جَوِّ ٱلسَّمَآءِ } أي: في الهواء المتباعد عن الأرض { مَا يُمْسِكُهُنَّ } بلا علاقةٍ ودعامةٍ { إِلاَّ ٱللَّهُ } المتفرد بالقدرة التامة الكاملة على أمثال هذه المقدورات { إِنَّ فِي ذٰلِكَ } الشئون والتطورات المختلفة، والتسخيرات والتذليلات للطير { لأََيٰتٍ } دلال قاطعات على كما علم الله وقدرته وإرادته { لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [النحل: 79] بتوحيد الله، ويعتقدون اتصافه بجميع أوصاف الكمال.
{ وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ } أي: من جملة مقدرواته المتعلقة بأمور معاشكم: إنه جعل لكم { مِّن بُيُوتِكُمْ } التي بنيتم بأيديكم بإقدار الله وتمكينه وتعليمه إياكم { سَكَناً } أي: مسكناً تسكنون فيها، كالبيوت المتخذة من الحجر والمدر، والآجر والخشب { وَجَعَلَ لَكُمْ } أيضاً { مِّن جُلُودِ ٱلأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا } أي: تحملونها وتنقلونها { يَوْمَ ظَعْنِكُمْ } وترحالكم من مكانٍ إلى مكانٍ { وَ } كذا { يَوْمَ إِقَامَتِكُمْ } وحضركم { وَ } جعل لكم أيضاً { مِنْ أَصْوَافِهَا } هي للضائنة والغنم { وَأَوْبَارِهَا } هي للإبل { وَأَشْعَارِهَآ } هي للمعز { أَثَاثاً } أي: ما يُلبَس ويُفرَش { وَ } وصار { مَتَاعاً } لكم، تتمتعون بها { إِلَىٰ حِينٍ } [النحل: 80] أي: إلى مدة متطاولة من الزمان.
{ وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ } أيضاً { مِّمَّا خَلَقَ } من الأبنية والشجر والجبال وغيرها { ظِلاَلاً } تتفيئون وتستظلون به من حرِّ الشمس { وَجَعَلَ لَكُمْ } أيضاً { مِّنَ ٱلْجِبَالِ أَكْنَاناً } أي: كوناً، تسكنون بها لدفع البرد { وَجَعَلَ لَكُمْ } أيضاً { سَرَابِيلَ } أي: أثواباً وأكسية وأغطية متخذة من الصوف والقطن، والكتّان والحرير وغيرها { تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ } أي: تحفظكم من شدة الحر { وَسَرَابِيلَ } أي: الدروع والجواشن والسربالاتت { تَقِيكُم بَأْسَكُمْ } عند الحراب والقتال { كَذَلِكَ } أي: مثل ما ذُكر من أنواع النعم { يُتِمُّ نِعْمَتَهُ } الفائضة { عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ } [النحل: 81] أي: تناقدون وتطيعون، وسلِّمون أموركم كلها، وتتخذونه وكيلاً.
{ فَإِن تَوَلَّوْاْ } وأعرضوا عن حكم الله بعدما تلوتَ عليهم يا أكمل الرسل ما تلوتَ من أوامره وأحكامه، ولم يقبلوا مك الحق، لا تبالِ بهم وبإعراضهم { فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } [النحل: 82] الموضح، وقد بلَّغتَ، وعلينا الحسابُ والجزاءُ بالعذابِ والعقابِ.
وكيف لا يحاسبون ولا يعاقبون أولئك المشركون، إنهم { يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ ٱللَّهِ } التي عدَّها وهيأها لهم { ثُمَّ يُنكِرُونَهَا } من خبث بواطنهم بإسنادها إلى شركائهم وشفعائهم { وَأَكْثَرُهُمُ } أي: عرفائهم وعقلائهم الذين يعرفون النعمة والمنعم، ثمَّ ينكرون إنعامه، وأتباعهم؛ أي: ضعفاؤهم في العقل والتمييز كلهم هم { ٱلْكَافِرُونَ } [النحل: 83] الجاحدون لله وإنعامه، يجازون على مقتضى جحودهم وإنكارهم.
{ وَ } اذكر يا أكمل الرسل { يَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً } وهو نبيهم القائم بأمرهم، المشرف الناظر بحالهم من قبل الحق، يشهد لهم وعليهم بالإيمان والكفر، ويوم العرض والجزاء { ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ } لا يُمهلون للاعتذار، ولا يُقبل منهم إن اعتذروا { وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } [النحل: 84] ويسترضون من العتبى، وهي الرضا.
{ وَإِذَا رَأى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } أنفسهم بالعرض على المهالك، بالخروج عن حدود الله الموضوعة فيهم { ٱلْعَذَابَ } الموعو لهم بألسنة الرسل والكتب { فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ } أي: يتيقنوا أو يتحققوا ألاَّ مخلِّص لهم منه، ولا تخفيف عنهم بشفاعه أحد { وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } [النحل: 85] يُمهلون؛ ليتداركوا ما فوتوا من الإيمان والأطاعة.