{وَ} اعلموا أن {لِكُلٍّ} أي: لكل من أفراد الأمم {وِجْهَةٌ} مقصد وقبلة معينة من الأوصاف والأسماء الإلهية {هُوَ مُوَلِّيهَا} بحسب اقتضائها وغلبتها {فَٱسْتَبِقُواْ ٱلْخَيْرَاتِ} أي: بادروا أيها المحمديون إلى منشأ جميع الخيرات، ومنبع جميع المبرات الناشئة من الأسماء والصفات، وهو الذات المستجمع لجميعها {أَيْنَ مَا تَكُونُواْ} من مقتضيات الأوصاف {يَأْتِ بِكُمُ ٱللَّهُ} الجامع لها {جَمِيعاً} مجتمعين بعد رفع التعينات الناشئة من الصفات {إِنَّ ٱللَّهَ} المتجلي بالأوصاف {عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ} من المظاهر المتعينة المتكثرة بحسب المبدأ والمظاهر {قَدِيرٌ} [البقرة: 148] على رفع التعينات المسقطة لجميع الكثرات بحسب المعاد والباطن.
{وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ} يا أكمل الرسل من مقتضى كعبة الذات يغلبه حكم بعض الصفات {فَوَلِّ وَجْهَكَ} منها متذكراً {شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ} المحرم للتوجيه إلى السوى والغير {وَإِنَّهُ} أي: شأن التوجه نحوه {لَلْحَقُّ} الثابت النالز {مِن رَّبِّكَ} الذي رباك بمقتضى جميع أوصافه وأسمائه {وَ} اعلم أنه {مَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: 149] أنت ومن تبعك، وعلى مقتضى علمه تثابون.
{وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ} عن مقتضى توحيد الذات بتكثير بعض المظان وترك ما يستقبلونه {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ} الجامع لجميع المظاهر {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ} أيها المؤمنون {فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} اقتداء لرسولكم {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ} المعرضين {عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ} غلبة بادعائكم التوحيد الذاتي، وإخراجكم بعض المظاهر {إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ} ينفي ذات الله وصفاته، وهم الدهريون القائلون بوجود الطبائع بلا فاعل خارجي، فإنهم لا يفحمون ولا يلزمون بأمثاله {فَلاَ تَخْشَوْهُمْ} أي: فلا تخافوا منهم في التوجه إلى الكعبة الحقيقية {وَٱخْشَوْنِي} في عدم التوجه حتى لا تحرموا عن مقتضيات بعض الأوصاف {وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي} الواصلة بحسب أوصافي وأسمائي {عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [البقرة: 150] إلى ذاتي بسببها.
ومن إتمام نعمنا إياكم أنا هديناكم إلى جهة الكعبة الحقيقية، وأمرناكم بالتوجه نحوها {كَمَآ أَرْسَلْنَا} من مقام جودنا {فِيكُمْ رَسُولاً} هادياً لكم نائشاً {مِّنْكُمْ يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ} أولاً {آيَاتِنَا} آثار صفاتنا الدالة على وحدة ذاتنا {وَ} ثانياً: {يُزَكِّيكُمْ} {وَ} ثالثاً: {يُعَلِّمُكُمُ ٱلْكِتَابَ} الموضح للدلائل والآيات المبين للآراء والمعتقدات {وَ} رابعاً: يظهر لكم {ٱلْحِكْمَةَ} الموصلة إلى توحيد الذات {وَ} بعد ذلك {يُعَلِّمُكُم} من الحقائق والمعارف {مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 151] لولا إرشاده وإرساله.
وإذا أنعمنا عليكم بهذه النعم العظام وأتممناها لكم {فَٱذْكُرُونِيۤ} أيها المؤمنون بالميل الدائم والتوجه الصادق {أَذْكُرْكُمْ} بنفساتٍ رحمانيةٍ ونسماتٍ روحانيةٍ {وَٱشْكُرُواْ لِي} بإسناد النعم إلي {وَلاَ تَكْفُرُونِ} [البقرة: 152] بإسنادها إلى الوسائط والأسباب.