التفاسير

< >
عرض

وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ ٱتَّقَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوآ أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
٢٠٣
وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلْخِصَامِ
٢٠٤
وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلفَسَادَ
٢٠٥
وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتْهُ ٱلْعِزَّةُ بِٱلإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ
٢٠٦
-البقرة

تفسير الجيلاني

{ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ } بعد تتميمكم مناسككم ووقوفكم بعرفة { فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ } هي أيام التشريق { فَمَن تَعَجَّلَ } أي: استعجل للرجوع والنفر { فِي يَوْمَيْنِ } أي: في ثاني أيام التشريق { فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ } باستعاجله { وَمَن تَأَخَّرَ } أيضاً { فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ } بتأخيره؛ يعني: أنتم مخيرون في استعجال النفرة وتأخيرها بعدما وصلتم، والفوز العافية { لِمَنِ ٱتَّقَىٰ } إلى الله عن محارمه { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } في جميع ما صدر عنكمن واستحفظوا منه { وَٱعْلَمُوآ أَنَّكُمْ } بأجمعكم { إِلَيْهِ } لا إلى غيره { تُحْشَرُونَ } [البقرة: 203] ترجعون رجوع الظل إلى ذي الظل.
{ وَ } من جملة الآدب الموضوعة فيكم بوضع الله المدبر لأموركم المهذب لأخلاقكم: الاجتناب عن الجلساء السوء، لذلك خاطب سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم امتناناً عليه وإرشاداً لكم، فقال: { مِنَ ٱلنَّاسِ } المجبولين على البغض والنفاق، المستمرين عليه دائماً بلا تصفية ووفاق { مَن يُعْجِبُكَ } يوقعك في العجب المحير العارض لنفسك بلا علمك بموجبه وسببه { قَوْلُهُ فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا } أي: مقوله المتعلق بأمور الدنيا وأسباب المعاش، بأن من تسلم أمور الدنيا وترتيبها يُتوصل إلى الآخرة ولذاتها، كما هو المشهور بين أهل الدنيا، ويسمونه عقل المعاش { وَ } مع إغرائه وتغيره { يُشْهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ } من حب الدنيا، ويدعي موافقة كلام الله وحكمه المودعة فيه على ما يدعيه، لا تغفل عنه ولا تسمع قوله { } [البقرة: 204] وأشد العداوة والجدال معك ومع من تبعك من المؤمنين.
قيل: نزلت فوَهُوَ أَلَدُّ ٱلْخِصَامِي الأخنس بن شريك الثقفي، وكان من بلغائهم وفصائحهم، له الوجاهةو الحسن والطلاقة، يتردد إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويصاحب معه ويظهر المحبة والإخلاص، ويدعي الإيمان والانقياد.
{ وَإِذَا تَوَلَّىٰ } أدبر من عنده { سَعَىٰ فِي ٱلأَرْضِ } الموضوعة للإصلاح والتعمير { لِيُفْسِدَ فِيِهَا } بأنواع الفسادات { وَ } من جملة ذلك أنه { يُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ } بالظلم والفسوق والعصيان المتجاوز للحد مثل: الزنا وقطع الطريق والخروج على الولاة القائمين بحدود الله المقيمن بأحكامه، كالمتمشيخة المبتدعة التي ظهرت في هذه الأمة بإفساد عقائد ضعفاء المسلمين بالشيخوصة، وترغيبهم إلى البدع والأهواء الباطلة المؤدية إلى تحليل المحرمات الشرعية، ورفع التكليفات الدينية والمعتدات اليقينة، شتت الله شملهم وفرق جمعهم { وَٱللَّهُ } الهادي للعباد { لاَ يُحِبُّ ٱلفَسَادَ } [البقرة: 205].
{ وَ } من غاية عتوه وعناده ونهاية استكباره { إِذَا قِيلَ لَهُ } إمحاضاً للنصح: { ٱتَّقِ ٱللَّهَ } عن أمثال هذه الفضائح واستح منه { أَخَذَتْهُ } هيجته وحركته { ٱلْعِزَّةُ } المرتكزة في نفسه { بِٱلإِثْمِ } الذي منع منه لجاجاً وعناداً { فَحَسْبُهُ } وحسب أمثاله { جَهَنَّمُ } الإمكان الذي يعلبون بنيرانها، كفت مؤنة شرورهم وطغيانهم { وَ } الله { لَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } [البقرة: 206] مهداً لإمكان المستلزم لمهد النيران.